هذه الطبقة الحاكمة الوقحة هي قضاء وقدر لبنان وشعبه البلد يتجاذبه الانهيار وتتلبّسه الادّعاءات والهرج والمرج والتباس الصور واختلاطها وإحساسنا المخيف بالعجز التام والاستسلام؟! مُزرٍ ومبكٍ ومفجعٌ حال لبنان وسياساته التي لا تجيد إلا فنّ الانتحار ونحر البلد والشعب، مراوحة قاتلة تحقن عضلاتها بجريمة النكايات حتى لو أدّت لموت البلد وشعبه.. تعب اللبنانيون من هذا الواقع الذي يزداد قتامةً، في أسوأ أيام الحرب لم تكن الناس غارقة في الذلّ إلى هذا الحدّ في جريها خلف المعايش وهموم تأمين اللقمة لأطفالها والدواء والكساء ودفع شرور الوباء، في مواجهة طبقة سياسيّة تعيش في غيبوبة، فلا هي ترحم ولا تريد لرحمة ربّنا أن تنزل على هذا الشّعب المسكين!
عندما جاء الجنرال ميشال عون إلى الحكم عام 1988 جاء يتهادى على نظرية كتاب «الجيش هو الحل»، كان المعنى الكامن في هذا العنوان هو «عون هو الحلّ»، لم نصغ لحكمة المثل الذي ورثناه عن جدودنا قررنا تكرار التجربة فإذا بنا نعيش في واقع غير مسبوق نظرية «عون هو الدّستور»! هذا الأفق المسدود ذاهبٌ باتجاه انفجار كبير، نظن أنه سيكون حتى أكبر بكثير من انفجار 4 آب، وما يؤكّد ما ذهبنا إليه من أنّ هذه السلطة لم تفهم ولا تريد أن تفهم، غير الاستهانة بالدستور، لم يتعرّض الدّستور اللبناني للانتهاك والاستهزاء به وبعقول اللبنانيين مثل ما يحدث له منذ دخل الجنرال ميشال عون الحياة السياسيّة، لطالما استطاع خلق حالات تعطيل للحياة الدستوريّة والهروب من إلزاميتها إلى عناوين تعطيليّة، وخلق خدعات يتباكى فيها على لبنان، هذه المرة نكاد ننسى أنه يجبر لبنان من جديد على عيش خديعة «التأليف قبل التكليف»، هذه النظريّة كانت ولا تزال خدعة العهد في سنواته السابقة وحتى اليوم، والبركة بمن يجترح البدع الدستورية اليوم لإبقاء الحياة السياسيّة في حالة تصحّر وفشل تام فإمّا أن يحكم عون وفريقه منفرداً وإمّا لا حياة طبيعيّة لدورة الحياة السياسية كما عرفها اللبنانيون بما نصّ عليه الدّستور!
لا أحد يستطيع أن يدّعي أنّه يملك رواية أو تصوّراً للأيّام المقبلة أكثر من مخاوف الفوضى والاضطراب وفلتان الشارع، لا أحد يمتلك حلاً حتى الذين منوطة بهم مسؤولية أن يتفرّغوا لإيجاد الحلول منخرطون في لعبة ثلث معطّل وجمود وبرودة قارصة تتحكّم بالمشهد اللبناني العام فيما المواطن يلتزم الصمت ولا يخرج إلى الطرقات غاضباً بل يتصرف بقدر المستطاع في ممارسة أعلى درجات التقشّف، وفي عزّ الأزمة اللبنانية الخانقة يظلّ الحاضر الأكبر في اللحظة السياسية الفارغة اسم الوزير السابق جبران باسيل معكّر أيام اللبنانيين وممرمرها وناصب الأفخاخ في كلّ المستنقعات علّه يخرج بصيد من أيّ منها!!
الأزمة الكبرى التي يدفع لبنان ثمنها هي كأنه يعيش واقع أن لا مسيحيين قبل ميشال عون وتياره وصهره وأنّه لن يكون هناك مسيحيّون من بعدهم، ولا يُلام في هذا الواقع المفروض على كل اللبنانيين إلا المسيحيّون أنفسهم ووحدهم سيتحمّلون وزر التّبعات التي سيتسبّب بها الفريق العوني لأنّهم تركوا الأمور تستفحل إلى هذا الحد ورضخوا لفريق منهم استقوى عليهم مرّة بسلاح الجيش منذ العام 1988 مستخدماً الجيش ومستقوياً به، وهو قد أعاد التجربة واستقوى عليهم عام 2006 بسلاح حزب الله وبنظرية الرئيس القوي!!
نريد أن نظنّ أنّه حتى حزب الله أعقل من أن يسلّم الثلث المعطّل لجبران باسيل، وهو أول من يدرك أنّ التيّار الوطني الحرّ ورئيسه جبران باسيل ليس أهلاً للثّقة وأنّهم ينقلبون على تعهداتهم واتفاقياتهم وتواقيعهم من دون أن يرف لهم جفن، ونظن أنّهم يعدّون للعشرة قبل تسليمه رقبة الحكومة في لحظة حرجة عنق حزب الله فيها على المحكّ.. فيما من المضحك أن يتجاهل رئيس الجمهوريّة الذي يحدّث اللبنانيين عن مواصفات «صهره الفولاذي» أن هؤلاء هم اللبنانيّون أنفسهم الذين أسقطوا صهره في الشارع مع اندلاع ثورة 17 تشرين الأوّل 2019، وإذا كان لا يزال يعتقد أنّه بإمكانه إعادته بالقوة إلى الحياة السياسيّة عليه إعادة الوقت إلى ما قبل الـ»هيلا هيلا هيلا هيلا هو»!!
السّاسة اللبنانيّون أصحاب موهبة فائقة في استيلاد سلاسل الأزمات المتوالية، غير مبالين بقدر ذرّة أنّ اللبنانيّين لم يعد بمقدورهم التفرّج على أنواع الذلّ الذي ذاقوه في هذا العهد أشكالاً وألواناً وأنواعاً!!