Site icon IMLebanon

جنرال “الساعة الثامنة”

 

هي ليست فقط بضعة سنتيمترات إحتاجها “انا الجنرال” ليطاول قامة الجنرال ديغول. إفتقدَ كل ما يصنع جنرالاً اختارته الأيام ليغير مصير أمته نحو الأفضل: القضية، والكاريزما، والشجاعة في محلّها، ومناهضة “سفاح المصالح”. أما الكارثة ففي اعتقاده العكس، غير مدرك ان استعادة زمن “قصر الشعب” و”حرب التحرير” لا تضيف سوى ذكريات مؤلمة بفعل الخيارات الخاطئة وفقدان الرؤية السياسية والتداعيات التدميرية.

 

هي معركة مستقبل جبران باسيل. يخوضها “انا ميشال عون” بلا تراجع عن نظريته بأنّ الحرب تُحسب بآخر جندي يبقى حياً بعد مقتل جميع المحاربين. غير ان معركته التي أخذت شكل مأساة قبل أن يستدرج الاجتياح السوري في 13 تشرين، تتخذ اليوم شكل فيلم كاريكاتوري يُعرض للمرة الألف أمام المشاهدين.

 

لو لم يكن صاحب خطاب “الساعة الثامنة” يدلي بدلوه قبل اقل من عامين على انتهاء عهده، لصفّقنا وأيّدنا كل حرف جاء في الرسالة النارية العصماء. ففيها ما يريده كل لبناني تعرّض للسلب والنهب من طبقة سياسية، لم يتأسس إجرامها قبل ثلاثين عاماً فحسب، بل منذ الاستقلال و”السلطان سليم”. ولعل ثمة عبرة ودليلاً في التذكير برسالة الرئيس سامي الصلح الى رئيس الجمهورية في العام 1968، راغباً بإعادة أرفع وسام ناله بفعل ما وصلت اليه الأوضاع من فساد وإفقار لعموم الناس ذاك الحين.

 

يمكن إدخال ميشال عون في كتاب “غينيس” للتوقيت الخاطئ. فلماذا لم تُثر مطلبكَ المحقّ منذ بداية العهد؟ ولماذا تناسيت اي دعوة للاصلاح حين كانت تلوح التسويات وتتحقق الصفقات؟ فتارة تنسى “الابراء المستحيل”، وطوراً يغطي هدير البواخر على الاتهامات بالفساد وسرقات التلزيمات. ثم من أجبر رئيساً اصلاحياً للجمهورية يتمتع بأكبر كتلة نيابية ومسيحية ويحتمي ببندقية “حزب الله” على التجديد للمتواطئ الأول في “جمهورية الفساد الثانية” على نهب أموال الناس؟ ومن شارك عبر استحداث مصرف مفتعل في الهندسات المالية الاجرامية، التي لحس منها كل طرف حلاوة من “الحاكم” بأمر سرّاق المال العام؟

 

هي مغارة “علي بابا”. أرادت ثورة 17 تشرين إقفالها، فتصديتَ لها بالترهيب، يا فخامة الرئيس، مع حلفائك وميليشياتهم. ثم تأتي اليوم لتطالب اللبنانيين بالوقوف الى جانبك لمحاسبة المرتكبين، رغم أنك أول العارفين بأن رأس فريقك على رأس من تطالب برؤوسهم. فكفى ذرّ رماد في العيون وكفى اطالة عذابات اللبنانيين.

 

تريد ان تكون جنرالاً بعد الثمانين؟ فَلْنَرسم لك الطريق: حقّق مطلباً واحداً وبسيطاً وهو اقفال طرق التهريب، بدل ان تكبّر الحجر لعجزك عن حمل الحصى الصغير.

 

تريد ان تكون جنرالاً عادلاً في آخر عهدك؟ إكشف هدر الكهرباء وابدأ بذوي القربى. ولا تدخلنا في متاهات المحاسبين.

 

تريد ان تكون جنرالاً يسجّل اسمك التاريخ؟ ضع يدك على الجرح الحقيقي. فانحيازك الى محور طهران وفشلك في تحقيق استراتيجية دفاع تعيد قرار السلم والحرب الى الشرعية هما أكبر اسباب الانهيار الكبير. ونعلم يقيناً انك لا ترغب ولا تستطيع اثارة الموضوع في هزيع عهد يلفظ النفس الأخير.

 

ولَّى زمن البطولات، وملَّ العالم من “الجنرالات” والزعامات وجمهور المصفقين والمزمرين. الناس جياع وأوصلتموهم الى الحضيض. انتَ للأسف لا تريد الرحيل لكن حبذا لو تتوقّف عن التسبّب برحيل كثيرين.