أنا ميشال عـون رئيس الجمهورية، أنا ميشال عـون الجنرال…
بهذا التعريف خاطبنا الرئيس أمس الأول من خلال الشاشات.
لقد أضاف إلى إسمه الشخصي وفخامة الرئاسة كلمة الجنرال، كأنما يستنجد بها، على أنها أكثر وقْعـاً وأبلغ تأثيراً واستمالةً للجمهور الساخط من أيِّ صِفـةٍ أخرى.
إقتصرت كلمة الرئيس الجنرال على خطر سقوط التدقيق الجنائي… «أنا أناديكم لتكونوا معي».
ولم يتناول خطـر التدقيق في السقوط الحكومي، والتدقيق في السقوط الوطني، وسقوط الدولة وسقوط الشرعية، وسقوط القانون، بيـن الإنفلات المجنون والعدالة الساقطة.
وحين تتـوافق كلمة الرئيس مع ما أعلنَـهُ وزير الخارجية الفرنسي «بأنّ القوى السياسية اللبنانية عمياء، لا تسعى عن عمْـد للخروج من الأزمة… وان الأيام المقبلة ستكون مصيرية…»
إذْ ذاك نخشى أن نقول: صدق الجنرال الرئيس، لقد أصبحنا في حضرة جهنّـم ونحن نتقلّب بيـنَ طبقاتها السبع التي تبدأ حسب القرآن: بالهاوية وتنتقل من السعير والجحيم واللَّظى وصولاً إلى الطبقة السابعة التي إسمها جهنّم.
«لأَمـلأنَّ جهنَّم مَنكم أجمعين…» (1)
وفي اللَّهب الجهنّمي، تجري الحياة أمامنا إلى حيث لا مكان ولا زمان… وكفى باللـه وكيلاً نفوِّض إليه الأمـر.
صدق الجنرال، وصدق وزير الخارجية الفرنسي: وثبُـتَ لنا بالوجه الشرعي والوجه الوطني والوجه الطبّـي والوجه العقلي، أن الطبقة الحاكمة عندنا مجموعة من المجانين تربِضُ بوحشيةٍ فوق الرُكام والرماد وجُثِّـة الوطن، وحيث تكون الجُـثَّة تجتمع الطيور الغريبة الكاسرة.
ولكن، لم تصدُقْ نبـوءةُ «مارغريت دي نافـار»: شقيقة الملك الفرنسي فرنسوا الأول حين قالت: «الله يساعد المجانين والعشاق والسكارى».
الله لم يساعد جنون هتلر وستالين، ولا عشْـقَ قيس بن الملوَّح، ولا أبا نواس السكران، نيرون قطَّـع الجنودُ جِسْمَـهُ إرَبـاً، وستالين مات اغتيالاً، وهتلر مات انتحاراً، وقيس مات مجنوناً، ومات أبو نواس بالسُمّ.
الذين لا يستطيعون أن يتّـَفقوا على تأليف حكومة، فكيف يتَّـفقون حـول إنقاذ وطـنٍ مُدمَّـى، وشعبٍ لا يرون فيه المواطن إلاّ ناخباً مكبَّلاً بالسلاسل..
لم تبـقَ دولةٌ من دول العالم: المتمدِّن منها والمتخلِّف، الصديق منها والخصم، إلاّ ناشدت رؤساء السلطات في لبنان، ووزراءَهُ ونوابه وتياراته وأحزابهُ لإنقاذه من الإنهيار، حتى وزارة خارجية «الشيطان الأكبر» ناشدتهم إنتشال لبنان من القعر الجهنمي والإرتفاع إلى مستوى المسؤولية الوطنية.
من المخجل، أن تكون الدول الأجنبية حريصةً على مصير لبنان أكثر من القادة اللبنانيين..
ومن المخجل، أن يكون القادة اللبنانيون في حاجةٍ إلى مرسوم تجنُّس ليصبحوا لبنانيين..
ومن المخجل، أن نناشد نحن دول العالم: أنْ أنقذونا من حكَّامنا..
ولكن، ليس من المخجل في هذه الحال أن نرفع الصوت عالياً إلى المجتمع الدولي لإنقاذ لبنان الزاحف نحو العدم.
عندما سقطت باريس في يـد الإلمان لم تخجل الحكومة الفرنسية من أن توجَّـه نـداءً إلى أميركا وبريطانيا يقول: «نناشدكم في هذه اللحظة الخطيرة أن تنقذوا فرنسا».
وإلاَّ… فهل يستطيع ميشال عـون الرئيس بأعجوبة إلهيَّة ومع: أنا ميشال عـون الجنرال، أن يقول بلسان الملك البابلي: «نادَتْـني الآلهة، أنا حمورابي الذي كان عوناً لشعبهِ في الشدائد، لأمنع الأقوياء من أن يظلموا الضعفاء».
لعل اللـه بعونه تعالى يساعده هذه المـرة.
-1 سورة الأعراف: 18