Site icon IMLebanon

رئيس يعيش في عالم آخر  

 

 

لم أصدّق وأنا أستمع البارحة لنشرة الأخبار عبر شاشات التلفزة وفيها خبر استقبال فخامة الرئيس لوفد عسكري بريطاني برئاسة كبير مستشاري وزارة الدفاع البريطانية… خلال اللقاء أكّد فخامته أنّ من أولى مهام الحكومة الجديدة الإصلاحات ومتابعة التدقيق المالي الجنائي. والأنكى أنه يعتبر هذه الخطوة أساسية لأنها تعيد الثقة الدولية بلبنان، ولا سيما ثقة الصناديق المالية وتساعد على النهوض الاقتصادي.

 

يا فخامة الرئيس يبدو أنك تعيش في الأحلام وفي عالم آخر. والأغرب أنه بالرغم من وصول عمرك الى 85 سنة لا تزال تعيش كأنك ابن 15 سنة. أي رجعت بالزمن الى الوراء 70 سنة وكأنك في عهد ما قبل الاستقلال.

 

يا فخامة الرئيس أنت عشت في لبنان في كل العهود، وأنت تعلم أيضاً أنّ العناوين نفسها ظلت في كل عهد هي هي، ولم يتغيّر شيء منها وكلما انتهى عهد ويأتي عهد جديد، تكون مهمة العهد الجديد الأولى فتح أو «نبش القبور» والحديث عن الفساد وعن التجاوزات وعن السمسرات والسرقات والإصلاح، كل ذلك حصل في عهد الشيخ بشارة الخوري وفي عهد الرئيس كميل نمر شمعون، أما في عهد الرئيس فؤاد شهاب فقد اختلفت الأمور، لكن بدأ الإعتراض على «الشهابية» وعلى «المكتب الثاني»، وهذا طبيعي حتى جاء عهد الرئيس سليمان فرنجية وسقطت الشهابية وسقط معها المكتب الثاني.

 

في بداية عهد الرئيس سليمان فرنجية أراد أن يضع في السجن ضباط المكتب الثاني بدءًا برئيسه العميد غابي لحود ثم العميد سامي الخطيب والعميد سامي الشيخة وجان ناصيف، فهرب هؤلاء الى سوريا، أما رئيس المكتب الثاني فهرب الى اسبانيا وتحديداً الى مدريد، ثم الى فرنسا.

 

بعد الحديث عن الصفقات والرشى والملايين التي هُدرت، كل هذا يمكن اختصاره بهذه الجملة «تمخّض الجبل فولّد فأراً».

 

يا فخامة الرئيس، لا أحد في لبنان ضد إجراء تحقيق شفاف لميزانية الدولة ومعرفة الأسباب التي أوصلت الدين العام الى رقم مخيف، وليست كلمة «جنائي» بمهمة لأنني لا أعرف ماذا تقصد بها، ولماذا لا تترك الأمور على طبيعتها؟

 

في أميركا يبقى المتهم بريئاً حتى تثبت إدانته، بينما يبدو انك صاحب نظريات جديدة. فالعالم كله متهم، وكل العالم فاسد وكل الناس لصوص و»حرامية»، وأنت الوحيد النظيف الظريف الشفاف البريء.

 

يا فخامة الرئيس، لو كنت صادقاً مع نفسك، كان عليك أن تقول «إبدأ بنفسك ثم بأخيك»، فلماذا لا تبدأ بنفسك وهناك عدد كبير من الأسئلة والأرقام تثار شكوك حولها وأنت شخصياً مسؤول عنها، ولكن لا تتحدث عنها. وهنا لا بد من العودة الى عامي 1989 و1990 يوم كنت رئيس الحكومة العسكرية المكلف بتحضير البلاد لانتخاب رئيس للجمهورية، لأنّ الرئيس أمين الجميّل نكاية بالسوريين، لأنهم رفضوا التجديد له جاء بك. فعلت كل شيء إلاّ الشيء الوحيد المكلف به، وهو انتخاب رئيس جديد للجمهورية.

 

سؤال بكل محبة، أولاً: أموال الجباية أين هي؟

 

ثانياً: الرسوم والجمارك وأموال الضرائب التي كنت تحصّلها أين هي؟؟؟

 

ثالثاً: هناك تحويلات مالية تصل الى حدود الـ50 مليون دولار أميركي على دفعات وأوامر التحويلات بخط يدك الى البنوك اللبنانية لتحويلها الى حسابك وحساب زوجتك.

 

يكفي هذا من دون الدخول في التسويات والأموال التي قبضتها زوراً وأنت في فرنسا تتمشّى في سجن الشانزيليزيه.

 

من ناحية ثانية، كان لافتاً تصريح النائب جورج عدوان الذي يريد إجتماع حكومة دياب للموافقة على مرسوم الحدود والذي وقعه وزير الأشغال ورفض فخامته التوقيع عليه رابطاً ذلك باجتماع الحكومة المستقيلة.

 

فعلاً مواقف «القوات» مثيرة ومحيّرة ولا أحد يعرف ماذا يريدون… أبْرَموا تسوية ما يسمّى بـ»اتفاق معراب» بين القوات والتيار الوطني الحر، أوصل الاتفاق بموجبها الرئيس عون الى الرئاسة وأدار ظهره للاتفاق «أي المناصفة في عدد النواب والمناصفة في عدد الوزراء».

 

المشكلة أنه منذ الحكومة الأولى في العهد التي ظل تشكيلها متوقفاً أكثر من 6 أشهر لأنّ «القوات» غير راضية. وهكذا بدأ العهد بتكرار ما يفعله الطفل المعجزة الصهر.

 

واليوم النائب عدوان يكرر نفس الخطأ فلا يعترف بالحكومة ويريد أن تجتمع وهي مستقيلة.

 

أمام هذه القيادات التي لا تعرف ما تريد وصل لبنان الى الدرك الأسفل، وكل ذلك بفضل هكذا رئيس وهكذا زعماء.