يصعب الحديث عن فشل يفوق فشل العهد القائم في لبنان، وهو «عهد حزب الله» الذي على رأسه ميشال عون. في النهاية لا وجود لاسم آخر للفشل غير الفشل. الفشل ليس عيبا. العيب في من لا يريد الاعتراف بانّه فشل وانّه بات عليه الإفساح في المجال لغيره كي يسعى الى انقاذ ما يمكن إنقاذه، هذا اذا كان لا يزال ما يمكن انقاذه…
من يصرّ على التمسّك بالفشل، يرفض الاعتراف بانّ هناك خيارا آخر لانقاذ لبنان عن طريق حكومة اختصاصيين وفق المبادرة الفرنسيّة بنسختها الاصليّة. من يصرّ على التمسّك بالفشل من اجل انقاذ جبران باسيل، الذي لا مستقبل له، إنّما يدور في حلقة مقفلة. البلد نفسه صار يدور كلّه في هذه الحلقة التي تعني في الواقع أنّ رئيس الجمهورية يدور على نفسه في ظلّ الهاجس الذي يتحكم به وهو مستقبل صهره جبران باسيل وليس مستقبل لبنان.
ما حلّ بلبنان منذ 31 تشرين الاوّل – أكتوبر 2016 كارثة ليس بعدها كارثة في غياب الوعي لمعنى دخول ميشال عون قصر بعبدا من بوابة «حزب الله» وسلاح «حزب الله» الذي اغلق مجلس النوّاب سنتين وخمسة اشهر من اجل يصبح الشخص الذي رشّحه رئيسا للجمهورية اللبنانيّة.
ما نشهده في لبنان حاليّا نتيجة طبيعية لرفض الذين انتخبوا ميشال عون رئيسا للجمهورية اخذ العلم بتاريخ رجل خاض «حرب الإلغاء» وقبلها «حرب التحرير» في اثناء وجوده في قصر بعبدا بين 23 أيلول – سبتمبر 1988 و 13 تشرين الاوّل – أكتوبر 1990على رأس حكومة مؤقتة ذات مهمّة محدّدة تتمثل في انتخاب رئيس للجمهورية خلفا للرئيس امين الجميّل الذي غادر قصر بعبدا بمجرّد انتهاء ولايته.
خاض ميشال عون الذي بقي قائدا للجيش، وقتذاك، من بعبدا حربين فاشلتين تؤكّدان انه سياسي عندما يتطلّب الامر ان يكون عسكريا… وعسكري عندما يتطلّب الامر ان يكون سياسيّا. مثلما انّ لا همّ لديه في الوقت الحاضر سوى توريث جبران باسيل الذي اتى به رئيسا للجمهورية بعد تحوّله الى ضمانته لدى «حزب الله» وكفيله في الوقت ذاته، كان همّ ميشال عون منذ وطأت قدماه قصر بعبدا في 1988 ان يكون رئيسا للجمهورية بايّ ثمن كان. خاض «حرب التحرير» ضدّ الوجود السوري بعدما اكتشف ان الرئيس حافظ الأسد لم يقتنع به. وخاض بعد ذلك «حرب الإلغاء» مع «القوات اللبنانية»، التي كانت لا تزال ميليشيا بهدف واحد هو تقديم أوراق اعتماده مجدّدا الى حافظ الأسد. خاض تلك الحرب بواسطة الوية من الجيش اللبناني كانت موالية له حصلت على دبابات جاءت من العراق بامر من صدّام حسين الذي ارسل العدد نفسه من الدبابات الى «القوات اللبنانية». كانت «حرب الإلغاء» بين دبابات عراقيّة ودبابات عراقيّة في مناطق مسيحيّة لبنانيّة. هل من يستطيع التفوّق على مثل هذه العبقرية التي لا يمتلكها احد غير ميشال عون؟
عندما نفدت الذخيرة والوقود لدى العسكريين الموالين لميشال عون، تولّى النظام السوري ارسال دعم له عن طريق تابعين له مثل الحزب السوري القومي او ايلي حبيقة!
لم يكن من افق سياسي لتلك الحرب التي أراد من خلالها ميشال عون التفرّد بالسيطرة على المناطق المسيحية والتحدّث الى النظام السوري من موقع قوّة، تماما مثلما يفعل الآن عبر سعيه الى فرض جبران باسيل مفتاحا لتشكيل حكومة لبنانية برئاسة سعد الحريري.
اذا اخذنا في الاعتبار الواقع اللبناني وما آل اليه الوضع في بلد يسيطر عليه «حزب الله» في حين ميشال عون في قصر بعبدا، يتبيّن ان النتيجة الطبيعية لمثل هذه المعادلة تتمثّل في ان ما كان يسمّى «حرب الإلغاء» لـ»القوات اللبنانية» في 1989 و 1990 صار «حرب الغاء» للبنان في السنة 2021. حصل تطوير لـ»حرب الإلغاء» لا اكثر. يُعتبر ما حصل نتيجة طبيعية لحلف قائم بين السلاح والفساد تظلّ فضيحة ملفّ الكهرباء الذي يتولاه «التيّار الوطني الحر»، أي «التيّار العوني» افضل تعبير عنه. لم يكتف جبران باسيل بمنع عودة الكهرباء الى لبنان، بل حمّل الخزينة خسائر بخمسين مليار دولار، أي انّه يتحمّل مسؤولية نصف الدين العام للدولة اللبنانية…
قبل ايّام وجه النائب والوزير السابق بطرس حرب رسالة الى ميشال عون تضمّنت الكثير من الحقائق والوقائع. يظلّ رفضه لانتخاب ميشال عون رئيسا وسام شرف على صدر بطرس حرب الذي اختتم الرسالة بقوله: «إنّك، ومن تولّى الحكم إلى جانبكم، تتحملون مسؤولية الفشل والانهيار، ولم يبقَ أمامك إلّا العمل على إبعاد كل القوى السياسية الحالية، ولا سيما منها الفاسدين، وعلى الأخصّ في محيطكم القريب، والتنازل الكامل عن مطالبكم الشخصية والحزبية، فتحصّن موقفك لتفرض هذا المعيار على رئيس الحكومة المكلّف، في تشكيل حكومة من شباب وشابات لبنان الناجحين في اختصاصاتهم، والمجلّين في أعمالهم، غير الطامعين بمكاسب شخصية أو بجاه أو نفوذ، حكومة قادرة على إعادة بعض الثقة بلبنان وحكّامه، وعلى وضع خطة إقتصادية توقف الانهيار.
وإذا عجزتم عن ذلك، أو رفضتم التجاوب مع دعوتنا، وصمّمتم على البقاء في دوّامة الصراع التي ذهب اللبنانيون ضحيتها، فنصيحتي لك أن تعترف بعجزك، وتقدّم استقالتك لتفسح في المجال لخيار البطريركية المارونية بإعلان حياد لبنان وطلب مؤازرة المجتمع الدولي لمساعدته على الخروج من مأساته، وتحييده عن الصراعات التي اقحمتموه فيها.
قيل «صديقك مَن صَدَقَكَ وليس من صَدَّقكَ»، وعلى رغم أنّني لا أدّعي صداقتك، ولا أطمح لها، فإنني أخلصك القول وأنصحك بالتنحّي».
ليس هناك كلام اكثر صدقا من هذا الكلام اذا كان مطلوبا الّا تتحوّل حرب الإلغاء التي خاضها ميشال عون في مواجه «القوات اللبنانية»، التي تبيّن انّها لم تأخذ العبر من تلك الحرب ولم تتعلّم شيئا منها… الى حرب الغاء للبنان.