أثير في الفترة الأخيرة موضوع صلاحيات رئيس الجمهورية وصلاحيات رئيس مجلس الوزراء، وقال فخامة رئيس الجمهورية أنه يمارس صلاحياته الدستورية ولا يتعدى على صلاحيات رئيس مجلس الوزراء.
قبل بحث موضوع الصلاحيات لا بد من إبداء ملاحظة تساعد على تحديد صلاحيات كل رئيس.
قبل دستور الطائف كانت كل صلاحيات السلطة الإجرائية بيد رئيس الجمهورية ولم يكن لرئيس الحكومة أي صلاحيات تذكر، بل كان النص يعطي رئيس الجمهورية صلاحية تعيين الوزراء ويسمي منهم رئيسا (المادة ٥٣ من دستور ١٩٢٦ ) ويقيلهم متى يشاء.
أما بعد دستور الطائف رقم ١٨ تاريخ ١٩٩٠ فإنه لم يعد لرئيس الجمهورية الصلاحيات الواسعة وأعطيت هذه الصلاحيات لرئيس مجلس الوزراء ولمجلس الوزراء مجتمعا.
واستنادا الى هذا التحول في الصلاحيات يجب تفسير صلاحيات رئيس الجمهورية الواردة في دستور الطائف، أي تفسيرها بصورة ضيقة لأنها استثناء للمبدأ الذي وزع الصلاحيات بين رئيس مجلس الوزراء ومجلس الوزراء مجتمعا.
ومن العودة إلى دستور الطائف يتبين أنه نص في المواد ٤٩ فقرتها الأولى و٥١ و٥٢ و٥٣ و٥٥ حتى ٥٨ على صلاحيات رئيس الجمهورية، ويتبين من هذه المواد أن الفقرة الأولى من المادة ٤٩ نصت على أن رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن يسهر على إحترام الدستور والمحافظة عليه… ويرأس المجلس الأعلى للدفاع وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة، ونصت المادة ٥٣ على أنه يتولى رئيس الجمهورية المفاوضة في عقد المعاهدات الدولية وإبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة.
أما بقية المواد فإنها تتعلق بآلية تشكيل الحكومة وإصدار القوانين ونشرها وتوقيع المراسيم، ولكن لا يوجد في هذه المواد أي نص يجيز لرئيس الجمهورية عقد اجتماعات عمل مع الوزراء أو مع كبار موظفي الدولة.
وفي المقابل، فإن المادة ٦٤ من دستور الطائف حددت صلاحيات رئيس مجلس الوزراء ونصت على أن رئيس مجلس الوزراء هو رئيس الحكومة يمثلها ويتكلم باسمها، ويعتبر مسؤولا عن تنفيذ السياسة العامة التى يضعها مجلس الوزراء، وحددت المادة ٦٤ في الفقرات التالية صلاحيات رئيس مجلس الوزراء، ونصت الفقرة ٧ على أن رئيس الحكومة يتابع أعمال الإدارات والمؤسسات العامة وينسق بين الوزراء ويعطي التوجيهات العامة لضمان حسن سير العمل.
ونصت الفقرة ٨ من المادة ٦٤ على أن رئيس الحكومة يعقد جلسات عمل مع الجهات المعنية في الدولة بحضور الوزير المختص.
إن صلاحيات رئيس الجمهورية محددة على سبيل الحصر لأن الصلاحيات في الدساتير لا تحدد على سبيل المثال، لذلك لا يمكن التوسع في تفسيرها ولا يوجد أي نص ضمن صلاحيات رئيس الجمهورية يجيز له عقد اجتماعات عمل مع الوزراء أو مع كبار موظفي الدولة أو إعطاء التوجيهات لحسن سير العمل في الادارات والمؤسسات العامة، لأن هذه الصلاحيات تعود حصرا لرئيس مجلس الوزراء، واستنادا الى كل ذلك فإن كل الاجتماعات التى يعقدها رئيس الجمهورية مع الوزراء وكبار موظفي الدولة هي تجاوز لصلاحيات فخامته لأنها تعود لرئيس مجلس الوزراء.
هذا الكلام قد لا يعجب البعض ولكن هذا هو الدستور وكلنا تحت سقف الدستور. ومن له رأي آخر مخالف لهذه النتيجة فليدل به حتى نتعلم منه، ولكن لا يتذرع بالأعراف لأنه لا توجد أعراف في الدساتير لأن العرف هو تعديل للدستور بطريقة غير دستورية.
كلمة أخيرة، إن المسؤول عن تجاوز رئيس الجمهورية لصلاحياته على حساب صلاحيات رئيس مجلس الوزراء هو ضعف من تولى هذا المنصب خاصة رئيس مجلس الوزراء الحالي والسابق، الأول مستعد أن يوقع على بياض حتى يبقى في منصبه الحالي، والثاني كان يتذرع بأنه يريد مصلحة الوطن والمحافظة على العيش المشترك وكانت النتيجة أنه لم يحقق ما تذرع به وفرط في صلاحياته.