«لسياسة الأمر الواقع الفرضي شعبيتها»، انها الخلاصة التي سأستنتجها بنهاية هذه المقالة، التي تحمل في سطورها شرحاً وتوضيحاً لمنهجية أفرقاء السلطة الحاكمة حالياً في لبنان، والمتمثّلة بالرئيس الشرعي، والمُرشد غير الشرعي، وقد أصبحت معالم سياساتهم مكشوفة تماماً ومفضوحة من خلال محاولاتهم الدؤوبة لفرض ممارساتٍ تغييرية جذرية، بغضّ النظر عن تعديل الدستور أو عدم تعديله.
فقناعة الرئيس الشرعي بهرمية زعامته، مسألة لم تعد تحمل نقاشاً، فهي ثابتة من ثوابت تجاربه العسكرية والسياسية، وقد عمّدها في السنوات الأخيرة بالتجربة الرئاسية، مع إِتْباع مؤسسات الدولة، بالأخص الامنية والقضائية، وباقي المؤسسات حسب الحاجة، لنظرته ولتعليماته المباشرة. وقد شرّب هذه الذهنية لعديدٍ من أتباعه لتكديس شعبية هذه المفاهيم، المتواجدة اساساً في كل المجتمعات، والتي فشلت تاريخياً في إدارة الدول، وزالت، ولكنّها تصلنا متأخّرة مع هذا الرئيس وفريقه، على قول «رايحين عالحجّ لمّا الناس راجعة».
إنّ الرئيس الشرعي قد أفصح في جميع مراحل حياته عن مكوناته الفكرية، المُشابهة تماماً للأنظمة الحديدية الفرضية، وقد أسرّ بذلك في بعض مجالسه ما قبل الرئاسية، وقد كنت حاضراً أحدها، باعتباره أنّ المسار الديموقراطي يعني «تحكُّم المغفّلين بالحكماء»، مستشهداً بقولٍ لبسمارك الذي اعتبر فيه أنّ الديموقراطية تُعطي القيادة للعددية وليس للنوعية.
ومن هذا المنطلق، يؤكّد الرئيس الشرعي بممارساته وقراراته اعتقاده بأنّ شروط الديموقراطية ونتائجها تُعيق مفاهيمه الانقاذية الخاصة، وتُشكّل سدّاً منيعاً بوجه قراراته وخططه. وبالنسبة له فالدستور المجالسي الوزاري والبرلماني لا يؤاتي حملاته الانقاذية اللاشرعية، فهذا الرئيس لا يؤمن بتعميم ثقافة المجتمع المدني، الغنيّة بالمؤسسات وبالتعدّدية الحزبية والجمعيات الأهلية، إلا اذا كانت ملتزمة بإدارته وبإرشاداته غير القابلة للنقاش. إنّه الرئيس المُلهم المُنزّه برأي ملحقيه عن الخطأ، والذي حسب قول لهنري كيسنجر «نظامه يكون عادةً قائماً خارج النظام الدولي ومناهضاً للشرعية الدولية». يرتاح المُرشد غير الشرعي لهذا المسار القمعي، ويتوقّع من نتائجه ايجابية كبيرة لمشروعه الاستراتيجي، لأنّه يعتبر ان تمكّن الرئيس الشرعي من السلطة، الفاقدة للثقة، والمعادية للشعب، والمناقضة لواقع دولة المؤسسات، يرْهنه بشكلٍ اكبر له، فالرئيس الشرعي الذي نتكلّم عنه، هو بطبيعته العقلية مُعادٍ لمعارضي الانظمة الفرضية. إنّ المسار التغييري للنظام نحو الديكتاتورية الهرمية للزعيم، في هذا الوقت بالذات، يصبّ حسب حسابات المُرشد، لمصلحة استمرارية دويلته، تماماً كما صبّ أداء هذا الرئيس الشرعي بالذات، منذ اكثر من ثلاثين سنة، عندما كان رئيس حكومة انتقالية غير شرعي، لصالح النظام السوري الطامع بلبنان دائماً.
نرى أفرقاء السلطة، من تيارٍ فاشي، مؤمن بهرمية الرئيس وزعامته، ومن حزبٍ غير شرعي، مؤمن بالحفاظ على دويلته وحمايتها، حتى حلول وقت الانقضاض على الدولة بأكملها، قد ركبا الموجات المُطالبة بتغيير النظام، متأمّلين بذلك الهروب من المحاسبة، على ما أودت ادارتهما بالبلاد الى الهلاك، ومتوقّعين من تطورات كهذه أن تفتح المجال لفرض التعديلات التي تُكرّس غلبتهم على الجميع وعلى الشعب المُتبقّي على هذه الارض.
النهاية الحتمية للمشروع الفرضي لهذين الفريقين المتحالفين ضدّ الوجود الحرّ هي بإسقاط سلطتهم، على يد الشعب الرافض لواقعهم، وتقع مسؤولية إسقاط ثقافتهم المعادية لروح بلاد الارز ولرسالتها، على عاتق قادة عانوا من الظلم الذي لحقهم من قبل السلطات السابقة لثورة الارز، وإذ نستذكر في هذا الاسبوع القرار الشجاع لسمير جعجع باختياره الاعتقال الحرّ على الانصياع المذلّ، وعانوا ايضاً من خطأ الحسابات السياسية ما بعد ثورة الارز التي حالت دون أخذ حزبه لحقّه بقيادة البلاد والعباد نحو المشروع الاصلاحي.
إنّ اسقاط العقل الفاشي المتحكّم بالشرعية، والعقل الالغائي المُتسلّل الى الساحات، لن يكون الا بالوعي لمعنى وجود لبنان، الذي ناضل من اجله سمير جعجع ورفاقه، ومستمرّون بذلك، حتى غلبة واقعهم الصحيح على واقع سلطة الامر الواقع الفرضية، وما من شيء يُسرّع هذا الامر اكثر من حلّ هذا المجلس النيابي والذهاب الى إعادة انتاج سلطة جديدة تُمثّل الشعب اللبناني حقيقةً.