Site icon IMLebanon

«بيّ الكلّ» مِن حَكَم إلى طَرف!

 

 

رئيس الجمهورية مؤتمن على ​الدستور وهو الوحيد الذي يؤدي يمين القسم امام البرلمان، وله صلاحيات دستورية محددة تسمح له بأداء واجباته. وقد اناطت المادة ٤٩ من الدستور اللبناني برئيس الجمهورية صفة «رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن» ما يدلّ على دوره في حماية الوحدة الوطنية وميثاق العيش المشترك، بعيداً ومنزهاً عن الخلافات والتباينات التي تحكم طبيعة المجتمعات المتنوعة. وفي هذا السّياق أودعته المادة المشار اليها مهمة «السهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه».

 

وبعد انتخاب العماد عون رئيساً للجمهوريّة أطلق «العونيّون» عليه صفة «بيّ الكلّ» تقديراً لسنّه وتعبيراً عن التزامهم بتوجيهاته، واحترم معظم اللبنانيون هذه التسمية من باب حسن النية والتقدير لشخص فخامة رئيس لجمهوريّة. لكن بكلّ أسف، اقترف فخامة الرئيس، أو أستُدرج، إلى خطأ في السياسة وخطيئة بحق لبنان وبحق مسيرته حين انحاز لفريقٍ دون الآخر وأضحى طرفاً سياسيّاً.

 

أولى محطات الانحياز جاءت إثر مطالبة الرئيس وفريقه السياسيّ بحصّةً وزاريّةً اسموها «حصّة الرئيس» للالتفاف على الدستور الذي اتاح لرئيس الجمهورية في البند الأوّل من المادة ٥٣ ان يرأس «مجلس الوزراء عندما يشاء دون أن يشارك في التصويت» وذلك لتنزيهه عن أي انحياز قد تدفعه اليه الظروف الداخلية. وبالتالي، سمحت «حصة الرئيس» له بالقبض على وزارات اساسية في حكومة «الى العمل» المستقيلة، ومكّنته من خلالها الحصول على بعض النفوذ في تقرير وتنفيذ السياسات العامة للدولة، فأصبح للرئيس صوت في مجلس الوزراء يجيّره لفريقٍ سياسيّ كان رئيساً له آنفا، وهنا اهتزّت صورة «بيّ الكلّ».

 

ثم شهد اللبنانيون محطة جديدة بعد حادثة «البساتين» عند دخول رئيس الجمهوريّة على خطّ القضية، حيثُ اختار أن يكون طرفاً في الصراع وفي موقع الخصم لبعض الأطراف، بعد إعلانه بطريقة مباشرة أنّ المستهدف من الكمين هو الوزير جبران باسيل، متخليًا بذلك عن دوره الحيادي كمؤتمن على الدستور والقانون والعيش المشترك، ومستبقاً نتائج التحقيقات والأحكام القضائية، ممّا اساء الى صورة «بيّ الكلّ».

 

وبعدها جاءت الدعوة إلى مسيرة «يا أهل الوفا» في بعبدا تأييداً لرئيس الجمهوريّة في العلن ودعماً للوزير باسيل ضمناً، ففتح فخامة الرئيس الطريق امام «التيار الوطني الحرّ» ومناصريه وحلفاؤه وسمح لهم بالتّجمهُر في محيط القصر الجمهوري الذي يطلق عليه أنصار الرئيس «قصر الشعب»، في حين أقفل الطريق اليه بوجه الحراك الشعبي الذي أراد إيصال صوته الى «بيّ الكلّ» فلم يسمعهُ، في مشهديّة اسقطت صفة «الجمهوري» عن القصر الذي لم يكن يومها للشعب بل تحوّل الى مقرّ للدعاية والاستثمار السياسيّ لـ«التيار» ورئيسه. وكان من الملفت ما ادلت به كريمة رئيس الجمهوريّة الكبرى كلودين متسائلة «هل يصح ان يدعم المرء نفسه؟ أنا في السلطة، فكيف يجوز أن أتظاهر دعماً لنفسي؟».

 

وخاطب فخامة الرئيس جمهور «التيار الوطني الحرّ» بـ«يا شعب لبنان العظيم» على الهواء مباشرةً، فيما خاطب الشعب اللبناني بـ«أيها اللبنانيون» من خلال كلمتين مسجلتين. وعندما انتهى من مخاطبة جمهوره الحزبي، رفع رئيس الجمهورية شارة النّصر بيديه واعتلت البسمة وجهه بوضوح.. فهل يجوز أن يُميّز «بيّ الكلّ» بين أولاده بهذا الشّكل؟؟

 

من المؤسف أن ينحاز فخامة رئيس الجمهوريّة، الّذي نقدّر ونحترم، الى جانب فريق سياسي بوجه آخر فيفقد صفة «بيّ الكلّ» ما يحول دون قدرته على حل النزاعات بين اللبنانيين، بل يؤثّر في مكانة رئيس البلاد وهيبة الموقع الرئاسي، ويضع البلاد أمام المزيد من التوتُّر والانقسام. وفي كلّ محطّة تاريخية وضعت فيها الرئاسة الأولى نفسها موضع الطرف السياسي كانت النتيجة فشلها في تحقيق أي نتائج محمودة للرئاسة والبلاد.

 

لدى شريحة واسعة من اللبنانيين سؤال موجّه الى فخامة رئيس الجمهوريّة وقد انقضى نصف عهده على وقع صراخ وجع الناس والانتفاضة الشعبيّة.. ماذا سيكتُب التاريخ عن عهدك بعد انقضائه؟