نصّت المادة /15/ من الدستور اللبناني أنّ على رئيس الجمهورية وعندما يقبض على أزمة الحُكم، أن يحلف أمام البرلمان يمين الإخلاص للأمّة والدستور، ويقسم على احترام الدستور والقوانين، فضلاً عن حفظ استقلال الوطن وسلامة أراضيه.
كذلك نصّت المادة /60/ من الدستور أيضاً، أن لا تبعة على رئيس الجمهورية حال قيامه بوظيفته إلّا عند خرقه الدستور أو في حال الخيانة العُظمى، ولا يُمكن إتّهامه بذلك إلّا من قبل مجلس النوّاب، بموجب قرار يصدره بغالبية ثلثي مجموع أعضائه، ويُحاكم أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، المنصوص عنه في المادة /80/ من أحكام الدستور.
لم يضع الدستور تعريفا مُحدّدا لِجُرم خرق الدستور، فمن أسمى المهمات والتي أُنيطت برئيس الدولة، مهمّة السهر على الدستور. ووفقا للمعنى الحقيقي والمعجمي للكلمة، يعني «الرّقابة» و»الرعاية» و»المحافظة عليه». والمادة /49/ من الدستور جعلت من رئيس الجمهورية، رئيس الدولة، ورمز وحدة الوطن، والساهر على احترام الدستور.
لكن الثابت، أنه لا توجد صعوبة لمعرفة ما إذا كان رئيس الجمهورية قد خرق الدستور أم لم يفعل. فخرق الدستور يعني مخالفة أحكامه، بِغضّ النظر عما إذا كانت المخالفة قد حصلت قصداً أو عن غير قصد. طرحت مجموعة من الحقوقيين والدستوريين دراسة تناولت موضوع ثبوت مخالفة رئيس الجمهورية لأحكام الدستور، والتمست من مجلس النوّاب التحرُّك، وخلصت إلى وجوب محاكمة رئيس الدولة بجُرم مخالفة أحكام الدستور.
تعرّضت هذه الدراسة والمُذيّلة بتواقيع رزمة من الدستوريين المشهود لهم بعلمهم وموضوعيّتهم وكفايتهم، إلى انتقادات وتجريح، خصوصا من رجالات سيّد القصر والمحيطين به.
وبعيداً عمّا ورد في هذه الدراسة من ثوابت ووقائع، لا بُدّ من الإضاءة حول مفهوم مخالفة الدستور، ومتى يكون رمز وحدة الوطن قد خالف أحكام الدستور أو لم يفعل.
وفي محاولة لتعريف جُرم خرق الدستور، يكفي العودة إلى ما صرّح به العلّامة الدكتور زهير شكر (في كتابه «الوسيط في القانون الدستوري اللبناني» صفحة /676/) بقوله: «إنّ كلّ مخالفة للدستور أيّاً كان حجمها أو خطورتها تُشكّل خرقاً للدستور». وفي مَسعى لتوصيف جُرم خرق الدستور، يمكن القول انّ كل امتناع من قبل الرئيس عن القيام بواجباته الدستورية يُشكّل خرقاً للدستور. كذلك ثبوت استخدامه لصلاحياته الدستورية لمصالح شخصية. وأيضاً عندما يمتنع عن إصدار مرسوم بات نافذا ونهائيا. أو عندما يتأخّر في إصدار مرسوم تشكيل الحكومة من دون سبب مشروع أو مبرر مقبول…
مما يُفيد أنّ جرم خرق الدستور يمكن أن يتحقّق في حال ارتكاب الفعل المخالف للدستور، كذلك في حال الإمتناع عن القيام بواجب دستوري.
ويتجلّى السؤال:
– هل امتنع رئيس الجمهورية عن توقيع مرسوم تشكيل الحكومة، وما زال (الصلاحية الممنوحة له في الفقرة الرابعة من أحكام المادة /53/ من الدستور) من دون سبب مشروع أم مبرّر مقبول، أم له ما يُبرّر ذلك؟؟؟.
– هل امتنع رئيس الجمهورية عن توقيع المرسوم العادي المتعلّق بالإفراج عن التشكيلات القضائية مثلاً (الصلاحية الممنوحة له في المادة /54/ من الدستور) من دون سبب مُقنع، أم يملك الحجّة لعدم التوقيع؟؟؟ عملاً بأحكام المادة الخامسة من قانون تنظيم القضاء العدلي الصادر في المرسوم الإشتراعي الرقم 150 / 83 المعدّل.
– هل امتنع رئيس الجمهورية عن توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة إلى انتخاب خلف للنوّاب العشرة (المستقيلين منهم والمتوفّين) على رغم من انصرام المهلة الدستورية (شهرين) لإجراء هذه الإنتخابات ؟؟؟ (خلافاً لنصّ المادة /41/ من الدستور).
– هل شاب مرسوم التجنيس والذي أصدره، أيّة شائبة، (الصلاحية الممنوحة له قانوناً) وهل تضمّن أسماء غير مستحقّة، أُدرجت لغايات مشبوهة، تُثير الرَيْبة؟؟؟.
– هل أصدر أكثر من عَفو خاص لعدد من المحكومين، خلافاً لمُطالعة مجلس القضاء الأعلى، أم إحدى لجانه (المادة /391/ وما يليها من قانون الأصول الجزائية المعدّل) وأصدر مرسوماً في هذا الشأن؟؟؟ (الصلاحية الممنوحة له في الفقرة /9/ من نصّ المادة /53/ من الدستور).
– هل…..؟؟؟.
مما يُفيد أنّ رئيس الجمهورية وعملاً بأحكام الدستور، يجب أن يكون الضامن للانتظام الدستوري والحرّيات والحقوق الأساسية، ولا سيما منها حق المساواة بين المواطنين (الفقرة «و» من مقدّمة الدستور، والمادة السابعة منه) مما يفرض عليه بَذْل جهد استثنائي، وترفّعا مُلفتا ومتميّزا في ممارسة مهماته ودَوره وصلاحياته.
ويَكمُن السؤال، هل تقيّد رئيس الدولة بما تقدّم أم لا؟. إذا كان قد تقيّد يكون قد احترم الدستور، وإن كان لا، يكون قد خالفه وارتكب جُرم مخالفة الدستور. فالجواب، يبقى ملكاً للقارئ والمُتابع ولكل مَن يُقارب القضية بموضوعية وشفافية، من دون خلفيّات أو آراء مُسبقة.
أمّا لجهة الأصول القانونية والواجب اتّباعها في حال ثبوت جُرم خرق الدستور، فيقتضي العودة إلى أحكام القانون الرقم 13 / 1990 تاريخ 18/8/1990 والمنشور في «الجريدة الرسمية» العدد /35/ تاريخ 30/8/1990، حيث صدر في مادة وحيدة، إبّان ولاية الرئيس المغفور له الياس الهراوي.
نصّت المادة /19/ منه، أن طلب الإتّهام يُقدّم بموجب عريضة يوقّعها خُمْس (1/ 5) أعضاء المجلس النيابي على الأقّل، أي /26/ نائبا وما يزيد.
حصل ذلك مرّة وحيدة، عندما وقّع /28/ نائبا في 27/12/2006 عريضة اتّهام بحقّ رئيس الجمهورية إميل لحّود لعلّة خرق الدستور، لا سيما المواد /24/ و/41/ و/60/ لامتناعه عن توقيع مرسوم دعوة الهيئات الناخبة إلى انتخاب خَلَف للنائب الشهيد بيار الجميّل الذي استشهد في 21/11/2006. لكن هذه العريضة لم تصل إلى مكان، إنما بقيت محاولة يتيمة لتفعيل أحكام القانون الرقم 13 / 1990، من دون أن تنجح.
ومن ثم، يُصار إلى إبلاغ رئيس الدولة موضوع الإتّهام، لإبداء دفاعه في مهلة عشرة أيّام، ثمّ يصوّت المجلس النيابي بالغالبية المُطلقة على قبول الإتّهام من عَدَمه (المادة /22/ من القانون 13 / 1990)، وفي حال القبول، تُشكّل لجنة نيابية تُسمّى «لجنة التحقيق» للقيام بما يَلزم من تحقيقات واستقصاءات (المادة /23/ وما يليها من القانون 13 / 1990) وبعد إتمام التحقيقات، يُرفع التقرير إلى الهيئة العامة، الذي يجب أن تتوافر غالبية الثُلثين من أعضائها لتقرير الإتّهام (المادة /34/) من عَدَمه، والإحالة إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. مع الإشارة إلى أنّ التجريم في حاجة إلى غالبية عشرة أصوات من أعضاء المجلس الأعلى المذكور، المُكوّن من /15/ عضواً (المادة /41/) مع العلم أنّ الأحكام النهائية لا تَقبَل الطعن، باستثناء إعادة المحاكمة (المادة /45/).
مما يُفيد، أنه وفي حال سلّمنا جَدَلاً بإمكانية تأمين غالبية الخُمْس لتوقيع طلب الإتّهام، فهل في الإمكان وفي ظلّ الإنقسامات العمودية تأمين غالبية ثُلثي أعضاء المجلس النيابي للإتّهام والإحالة إلى المجلس الأعلى؟؟؟.
في الختام، سلام على كل مساءلة في وطني، فالقانون وُضع لحمايتهم وتجنيبهم الملاحقة. فعن أي وطن نتكلّم في ظلّ عدم المساءلة والمحاسبة؟؟؟.