تشهد الساحة اللبنانية، منذ وقت غير قصير، خصوصا مع بداية «العهد العوني» حفلات غير مسبوقة من السجالات والمناكفات وتبادل الاتهامات، الداخلية والخارجية، والجميع يستحضرون الماضي البعيد والقريب، مادة حيوية في ذلك، وهم يديرون ظهورهم الى المخاطر الجدية، الخارجية والداخلية، التي تعصف بهذا البلد، او لا يعيرونها الاهتمام المطلوب، وهم ماضون في سلوكية الافادة مما الت اليه الاوضاع واضاعة الوقت والتسلية على حافة الهاوية…
لقد اشعل وزير خارجية حكومة تصريف الاعمال، شربل وهبه، فتيل ازمة ديبلوماسية مع سائر دول الخليج العربي، وفي مقدمها المملكة العربية السعودية، اثر تهجمه على هذه الدول بإقذع الاتهامات، مخلفا موجة غضب، لبنانية وعربية غير مسبوقة، ادت الى تنحيته من حكومة تصريف الاعمال، وقد شهد مقر السفارة السعوية حشودا من الزيارات المنددة بما تفوه به وهبة ضد المملكة، وقد اجمع الكل على ان ما تفوه به لا يمثل لبنان ولا اللبنانيين بغالبيتهم الساحقة…
من اسف ان يكون الرئيس عون، وفريقه، من ابرز مؤججي هذه الازمات، التي تتقاطع مع ازمة تشكيل «حكومة تنقذ البلد» مما هو فيه، وتضعه على «سكة الصواب والعدالة والمساواة» من غير تمييز بين ابنائه ومكوناته الطائفية والمذهبية والمناطقية، حيث «المناصفة المسيحية – الاسلامية» هي الاساس، والبلد يعتمد في المبدأ «الديموقراطية البرلمانية…» كما ومن ابرز مؤججي النيران السياسية – الاعلامية تحت صفيح ازمة تشكيل الحكومة العتيدة، العالقة منذ اشهر، وهو الساعي الى تغيير النظام من «الديموقراطية البرلمانية» الى «الرئاسي».
القاصي والداني يدركان ان الرئيس عون عازم على تنفيذ الانقلاب على «اتفاق الطائف» والعودة بالصلاحيات الرئاسية الى ما قبله، وهو الاتفاق الذي توج مساعي اخراج لبنان من ازماته وحروبه الداخلية و»حروب الاخرين على ارضه…» وهو الاتفاق الذي اكد ان «لبنان وطن حر ومستقل، نهائي لجميع ابنائه، واحد ارضا وشعبا ومؤسسات، جمهورية ديموقراطية برلمانية، والشعب مصدر السلطات، في نظام يقوم على مبدأ الفصل بين السلطات، وتوازنها…
لقد حدد «الطائف» صلاحيات رئيس الجمهورية وحقوقه الدستورية وواجباته المقيدة بأحكام الدستور، كما وحدد صلاحيات رئيس مجلس الوزراء الذي هو «رئيس الحكومة يمثلها ويتكلم بإسمها ويعتبر مسؤولا عن تنفيذ السياسة العامة التي يضعها مجلس الوزراء… والحكومة لا تمارس صلاحياتها قبل نيلها الثقة النيابية، ولا بعد استقالتها، ولا اعتبارها مستقيلة الا بالمعنى الضيق لتصريف الاعمال… وعندما يحضر رئيس الجمهورية يترأس الجلسات، من غير المس بالصلاحيات…»
إن رئيس مجلس الوزراء هو رئيس الحكومة، يمثلها ويتكلم بإسمها، ويعتبر مسؤولا عن تنفيذ السياسة العامة التي يضعها مجلس الوزراء، على ما ينص «الطائف»، وليس من حق رئيس الجمهورية، ولا من صلاحياته، التمادي في وضع عصي العرقلة امام عربة التأليف، ويقلب الصورة «رأسا على عقب»، متهما الرئيس المكلف «بالعجز عن تأليف حكومة قادرة على الانقاذ…» وهو، اي الرئيس عون، يأسر التأليف بعد التكليف، كما يأسر الشعب والحكم، ويأخذهما معا رهينة، والبلد كله على «ابواب الهاوية»…
الداخل اللبناني، والخارج الدولي والاقليمي، يدركان اين يكمن تعطيل ولادة «حكومة الانقاذ»، ورئيس الجمهورية قبل غيره يضع العصي بالدواليب، وهو المتمسك بخرق «الطائف» والعودة بالصلاحيات الرئاسية الى ما كانت عليه قبل الاتفاق المعزز داخليا ودوليا واقليميا، والجميع يسأل الى اين يريد الفريق العوني اخذ البلد.. والمخاطر تحيط به من كل جانب..؟!