أيام الحكومة العسكرية (23 أيلول 1988 – 13 تشرين الأول 1990) كان القرار العسكري والسياسي والمالي والاستراتيجي والقضائي بيد العماد ميشال عون وحده، ولم يكن العميد عصام أبو جمرة واللواء إدغار معلوف أكثر من ضابطين رفيعي الرتبة، ينفّذان ما يصدر عن القائد. مرة واحدة حرد أحدهما لأيام وعولج سبب الحرد يومذاك بطريقة مرضية ونُفي معاونا عون إلى فرنسا وتابعا النضال قبل أن يبتعد اللواء أبو جمرة عن القائد لأسباب نيابية ويغيّب الموت اللواء إدغار معلوف المبتسم دائماً والقليل الكلام بعكس الرئيس.
في بدايات الألفية الثالثة، أيام ترؤسه “التيار الوطني الحر”، كانت كلمة الجنرال النائب هي الحاسمة، ولم يكن حكمت ديب أو نبيل نقولا أو غسّان مخيبر ولا يوسف خليل ولا جيلبرت زوين ولا فريد الخازن، مع حفظ القابهم العلمية، قادرين على تغيير قناعات الجنرال بأي شأن سياسي وأي خيار.
بحكم تنشئة الجنرال العسكرية ومسيرته وطبعه وحجمه الوطني، لم يستسِغ التعامل مع أي فريق سياسي يخالفه الرأي، لذلك حاول قطع الطريق على سعد الحريري، بعد انفراط التسوية بينهما، عشية الإستشارات النيابية الملزمة، كما فسّر الجنرال الطائف بطريقة تجعله الآمر الناهي وصانع الحكومة الأول، يعاونه في تشكيلها رئيس الحكومة وفق معايير يحددها هو، ولا أثر لها في أي نص دستوري.
وعندما ينادي رئيس الجمهورية ويطالب بإبعاد السياسة عن القضاء، ويؤكد على فصل السلطات، وعلى تحصين القضاء،لا يجد نفسه معنيّاً بالأمر، فالجميع يعلم أن العلاقة بين العماد عون والنائب العام في جبل لبنان هي علاقة مباشرة، فالقاضية المثيرة للجدل والجلبة تحظى بدعم إستثنائي من رئيس الجمهورية يدفعها للتمرد على رؤسائها وعلى القرارات التي تطاولها. لا بل أن يوم فكرت عون بالإستقالة، احتجاجاً على تشكيلة مجلس القضاء الأعلى، رفعتها مباشرة إلى الرئيس.
وجاء القرار المتسرّع لمجلس شورى الدولة الذي يرأسه القاضي فادي الياس، ليؤدي عكس المطلوب منه تماماً، فساهم في إذلال المودعين بدلاً من تحصيل حقوقهم عملياً وليس مبدئياً، تُرى ألم يفكر القاضي الياس كيف سيرغم المصارف المتعثرة والمفلسة لغير سبب، على تسديد المتوجب عليها بالدولار…بالعملة الخضراء حصراً.
وجاءت دعوة رئيس الجمهورية القوية العماد عون للقاضي الياس ولحاكم مصرف لبنان، بحثاً عن تخريجة تراجع مجلس شورى الدولة عن قراره أو تخطّيه، لتؤكد أن لا شيء في عُرف رئيس الجمهورية اسمه فصل سلطات، وشهادة القاضي جورج عقيص وتغريدته، لتختصر المشهد قبيل اللقاء الثلاثي في بعبدا “مصرف لبنان استفاد من الخفة لحشر السلطة والشعب معاً وفخامة الرئيس سيرجع هو عن قرار مجلس شورى الدولة ومبدأ فصل السلطات يهديكم أجمل التحيات”.
بناء على ما سبق، فهل من المبالغة إضافة لقب “قاضي القضاة” على لقب”صاحب الفخامة” و”بيّ الكل” و”جبلنا”؟