المطلوب تزامن الاعتذار مع تقصير الولاية وانتخاب رئيس جديد للجمهورية
اثار تلويح رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري بالاعتذار عن تشكيل الحكومة الجديدة موجة من ردود الفعل الرافضة لهذا الخيار بغالبيتها، لقناعتها بعدم جدواه، بينما هللت له زمرة الفريق الرئاسي العوني، التي اعتبرته بمثابة نجاح لها، وانه حقق هدفها بابعاد الحريري عن رئاسة الحكومة المقبلة وافسح المجال أمامها لتبقى بالسلطة بمفردها.
هل إعتذار الرئيس المكلف يحل مشكلة تشكيل الحكومة ويساهم بقيام حكومة تستطيع انتشال لبنان من دوامة الانهيار المتسارع؟
من يتابع تسلسل الاحداث منذ تكليف الرئيس الحريري بتشكيل الحكومة العتيدة، استنادا للمبادرة الفرنسية ويرصد بدقة مواقف رئيس الجمهورية ميشال عون وممارساته اللامنطقية مع وريثه السياسي النائب جبران باسيل والمخالفة لابسط قواعد التعاطي السياسي المسؤول، يدرك بما لايدع مجالا للشك سوء النوايا المبيتة تجاهه، وانتفاء وجود أي توجهات لتسهيل مهمته بتشكيل الحكومة الجديدة. فمن تأجيل رئيس الجمهورية لموعد الاستشارات النيابية الملزمة اسبوعا لتغيير اتجاهات بعض النواب الداعمين لتسمية الحريري دون جدوى، الى قيام الرئيس المكلف بزيارته ١٨ مرة ببعبدا للتشاور وتسليمه التشكيلة الوزارية، ومن ضمنها أسماء اقترحها عون شخصيا بموجب لوائح مطبوعة، ثم انكر وجودها، الى تسريب الفيديو المسيء الذي يتهم الحريري بالكذب زورا، الى محاولة اهانة الرئيس المكلف بإرسال نماذج لهيكلية تشكيل الحكومة بواسطة دراج الى بيت الوسط خلافا للدستور، كلها تصرفات ووقائع موثقة أمام الرأي العام بالصورة والصوت، تؤكد بما لا يدع مجالا للشك، عدم رغبة رئيس الجمهورية وفريقه السياسي بتسهيل مهمة الحريري لتشكيل الحكومة الجديدة ورفضهما التجاوب مع أي طرح او مسعى داخلي او خارجي لتمكين الحريري من تأليف الحكومة. ولذلك فإن اتهامات رئيس الجمهورية للرئيس المكلف بانه لا يريد تشكيل الحكومة الجديدة، ليست صحيحة على الاطلاق ولا يعفيه قلب الوقائع من تحمله مسؤولية التعطيل المتعمد لعرقلة تشكيل الحكومة العتيدة. الهدف الرئاسي واضح كل الوضوح، وهو عرقلة تشكيل الحكومة العتيدة برغم حاجة اللبنانيين الماسة لقيامها لابقاء لبنان في حال فراغ، ليتمكن عون وصهره من التفرد بحكم البلاد، دون شريك او منازع لاحكام قبضة التيار العوني على كل مفاصل الدولة، حتى لو كلف ذلك انهيار الدولة وتفككها وزيادة عذابات وتردي حياة اللبنانيين.
الكل يتذكر تاريخ عون الحافل بالسوداوية والخراب والدمار وابرز محطاته، ما اطلق عليه حرب التحرير ضد القوات السورية، وحرب الإلغاء ضد القوات اللبنانية واختتمها بالتسبب بمأساة ١٣ تشرين الاول ١٩٩٠.
هل إعتذار الرئيس المكلف يحل مشكلة تشكيل الحكومة ويساهم بانتشال لبنان من دوامة الانهيار المتسارع؟
التاريخ يكرر نفسه هذه الايام بطريقة مختلفة. يصادر عون موقع الرئاسة الاولى، يتجاوز الدستور ويستغله لمصلحته، يرفض الانصياع لتأييد اكثرية النواب تكليف الحريري بتشكيل الحكومة العتيدة. يعرقل كل محاولات ومساعي تشكيل الحكومة لابقاء الفراغ الحكومي قائما، اذا لم تمر الحكومة العتيدة عبر وريثه السياسي وتضمن إعادته الى صدارة المؤهلين لخلافته ببعبدا. وبالطبع، لا يستطيع رئيس الجمهورية ممارسة سلوكيات تجاوز الدستور وتعطيل مفاعيل تكليف الحريري بتشكيل الحكومة العتيدة، بلا حسيب او مساءلة، لولا تلاقي هدف بقاء لبنان بلا حكومة جديدة مع هدف حليفه التقليدي حزب الله الذي يبقي هذا الملف ضمن حسابات الصفقات الاقليمية للملف النووي الايراني. وبالطبع، لا داعي للضغط لانجازه حاليا. لذلك يبقى خيار الاعتذار في حال اصرار الرئيس المكلف على المضي فيه حتى النهاية محطة لالتقاط الأنفاس، ولكن من دون نتائج مفصلية، لان المشكل الأساس، ليس بخروج الحريري من مهمة تشكيل الحكومة وتكليف شخصية اخرى مكانه بعد ان اثبتت تجربة حسان دياب تشكيل الحكومة المستقيلة فشلها الذريع وعدم جدواها، بل باستمرار وجود عون برئاسة الجمهورية.
ولذلك لا بد وان يتم تجاوز الاعتراضات والموانع السياسية والطائفية والحساسيات، وان يتزامن إعتذار الحريري مع حملة سياسية منظمة وفاعلة، ترتكز على آلية لتقصير ولاية رئيس الجمهورية الذي اوكل صلاحياته الى صهره خلافا للدستور وحركته بممارسة مسؤولياته محدودة وعاجزة، وتسريع خطى انتخاب رئيس جديد للجمهورية وبدء مرحلة سياسية جديدة، ليكون خيار الاعتذار في محله ويحقق النتائج المرجوة منه، وان كان ذلك صعبا او حتى متعذرا في ظل للواقع السياسي القائم حاليا. ولكن لا بد من المباشرة بهذه الحملة منذ الان، والا ستبقى الازمة مستفحلة والحلول مؤجلة ومعاناة اللبنانيين طويلة.