لـوْ أنَّ رئيس الجمهورية في لبنان كان غيـرَ العماد ميشال عـون…
سؤالٌ إفتراضي…؟ لا تاريخي…
لأنَّ هذا الزلزال الجارف الذي زعزَعَ أركانَ لبنان، لم يكنْ حدَثاً عابراً وحدَثاً خاصاً بلبنان، بقدر ما هو حـدَثٌ وجودي يشكّل عبرةً صادمةً لاهتزازِ كيـانِ الأمم.
إنّـه السؤال الذي يتوقّف حياله المؤرِّخون وعلماء السياسة وعلماء النفس والإجتماع بكثيرٍ من الإستدلال والتحليل وهـمْ يواكبون حركة تطوّر الحياة البشرية بكلِّ ظواهرها الإنسانية والإجتماعية المتعلّقة بحوادث التاريخ.
من هذه الزاوية التاريخية لا الشخصية، يمكن تقيّيم المقارنة بين عهدٍ وعهد وحاكمٍ وحاكم ورئيس ورئيس.
في المطلق المبدئي: إنّ هذا اللبنان الذي عمرهُ ستة آلافٍ من السنين يُلقي على كاهل رئيس الجمهورية فيه مسؤولية إرثٍ تاريخي حافلٍ بالأمجاد الحضارية والإنسانية والثقافية.. وعندما تدنّى حجـمُ الرؤساء عن مستوى هذه المسؤولية التاريخية، أخـذَ لبنان يتساقط تباعاً في مهاوي التقهقر والإنحطاط.
وعندما انتُـزعتْ من رئيس الجمهورية اللبنانية صلاحياتُه التنفيذية في دستور الطائف، كان الطائف كأنّما يضع شروطاً غيـرَ مكتوبة لاختيار الرئيس، بحيث تقوم مؤهِّلاتُـه الشخصية المميزة مقام الصلاحيات الدستورية المنتزعة.
دستور ما قبل الطائف كان يخوّل رئيس الجمهورية أن يحكم بصلاحيات جلالة العرش، وبعد الطائف بات من المحتَّـم أنْ يحكم الرئيس بصلاحيات جلالة العقل.
هذا يفترض حكْماً أنْ يتحلّى رئيس الجمهورية بأعلى درجات الحكمة والفطنة والنزاهة والرصانة والعدالة والإعتدال، وأن يتميّز بِسعةِ المدارك وسِعةِ الصدر وسعِة العقل.
حتى الإسكندر كانوا يقولون: إنّ وراء انتصاراته كان دائماً أرسطو… مثلما يقول الفيلسوف الفارابي «إن صلاح الرئيس يؤدي إلى صلاح المدينة، وفسادَهُ إلى فسادِها».
لأنّ لبنان صيغةٌ مفرطةٌ في التشابك فإنّ أوْلَـى واجبات القصر أنْ يُطلقَ المبادرات الصائبة لفكّ الإشتباكات، لا أنْ يُطْلق النار محارباً إضافياً على جبهات التشابك، وحين يفتـقر رئيس القصر إلى المؤهلات الرئاسية العليا، يصبح ضحية خصيان البلاط ، وأسيـرَ وصاية المستشارين.
في تاريخ الأمم طالما كان مصير الشعوب متوقّفاً على عظمة قادتها وكبار رجالها ، حتى أنّ الأنظمة الديكتاتورية التي يحكمها رجال صالحون تصبح أكثر ديمقراطية من أنظمة ديمقراطية يحكمها حكامٌ فاسدون.
ومن مطالعات تاريخ الأمـم وقَـعَ نظرنا على أنموذج أعلى نلتقطه مثالاً أعلى للحاكم الأعلى في لبنان، بالمقارنة بين إيطاليا في القرن الحادي عشر ولبنان في القرن الواحد والعشرين.
روجر الثاني ملك صقلية استطاع أن يقيم دولة نصفُها شرقي ونصفها غربي في كيان مؤْتلف، كان فيه رعاياه اليونانيون واللاَّتين والمسلمون يعيشون في وحدة متآخية، فكان روجـر الثاني يجلس على العرش مرتدياً حيناً : الثوب الكهنوتي للقاصد الرسولي، وحيناً آخر الـزيّ الأمبراطوري البيزنطي، وحيناً ثالثاً عباءَة أميـر عربي.
وهذا ما عناه صاحب الثوب الكهنوتي البطريركي في لبنان حين قال غبطة الراعي: «إنَّ الدولة تفتّش عن رئيس قـويّ بشخصيته لا عن رئيس قـويّ بطائفته»، وصاحب الثوب الكهنوتي هذا تعود إليه المطالبة بحقوق المسيحيين، فيما صاحب الثوب الرئاسي تعود إليه المطالبة بحقوق المواطنين.
في انتظار أنْ يمـنَّ اللـه على هذا الوطن المنكوب برئيس على غرار روجر الثاني، ننتظر حكم التاريخ ليؤكّـد لنا: أنَّ رئيساً غير الرئيس عـون كان أكثر عوناً للبنان..؟