IMLebanon

«العهد القويّ»… على لبنان واللبنانيين  

 

 

صمد لبنان طويلا. صمدّ اوّلا في وجه اتفاق القاهرة. الى ان جاء «العهد القويّ»، أي «عهد حزب الله». لم يعد من امل بأيّ مستقبل افضل للبنان واللبنانيين ما دام ميشال عون في موقع رئيس الجمهورية الذي يديره عمليا صهره جبران باسيل. يفترض في اللبنانيين ان يعوا أنّ بلدهم لم يعد قابلا للحياة في ضوء وجود دولة داخل الدولة ورئيس للجمهوريّة لا يستطيع ان يكون حكما ومرجعيّة للبلد. صارت دولة «حزب الله» تدير دويلة لبنان وتسيطر عليها. هذا لبّ المشكلة في بلد يدفع، الى يومنا، ثمن توقيع اتفاق القاهرة في العام 1969.  بدل ان يعمل الزعماء المسيحيون في 1969 على اتخاذ موقف واضح من الوجود الفلسطيني المسلّح بعدما اخطأ المسلمون في تقدير خطورة هذا الوجود… جعلتهم الشهوة الى رئاسة الجمهورية يرتكبون خطأ ما زالت نتائجه تتفاعل الى اليوم. كان ريمون ادّه الاستثناء الوحيد وقتذاك. رفض اتفاق القاهرة جملة وتفصيلا. كان همّه لبنان وليس الوصول الى رئاسة الجمهوريّة.

 

صمد لبنان طويلا وواجه كلّ أنواع الهجمات عليه بدءا بالوجود السوري الذي استخدم الفلسطينيين افضل استخدام من اجل وضع يده على لبنان. لكنّ لبنان فقد القدرة على الصمود بعدما صار «حزب الله»، وهو ميليشيا مذهبيّة مسلّحة، تقرّر من هو رئيس الجمهورية.

 

اغلق «حزب الله» مجلس النوْاب اللبناني سنتين ونصف سنة من اجل فرض ميشال عون رئيسا للجمهوريّة. يتبيّن مع مرور الوقت انّ انتخاب ميشال عون رئيسا يندرج في سياق خطّة وواضحة ممنهجة تصبّ في عملية إفقار لبنان واهله بغية السيطرة عليه وتحويله الى مجرّد ورقة ايرانيّة لا اكثر.

 

مضت اربع سنوات ونصف سنة على وجود ميشال عون في قصر بعبدا. هل هناك فرصة لم يفوتها من اجل انقاذ ما يمكن إنقاذه من بلد انهارت تدريجا كلّ مؤسساته. لم يبق من لبنان سوى المؤسّسة العسكرية التي لا تزال الضامن الوحيد لتفادي الفوضى الكاملة. هذا ما يفسّر الدعم الدولي للمؤسسة العسكرية بهدف المحافظة على الامل…

 

يمكن التوقف عند بعض المحطات منذ وصول ميشال عون الى قصر بعبدا، كرئيس للجمهوريّة، للتأكّد من انّه لم يفعل شيئا من اجل تفادي الانهيار. يمكن البدء من فشل لبنان في الاستفادة من مؤتمر «سيدر» الذي انعقد في باريس في نيسان – ابريل 2018 قبل الانتخابات النيابيّة التي أجريت في ايّار – مايو من تلك السنة. وضع العهد كلّ العراقيل الممكنة من اجل منع تنفيذ «سيدر» وذلك كي لا يعترف بأنّ المؤتمر انعقد بسبب وجود سعد الحريري، ولا احد غيره في موقع رئيس مجلس الوزراء. كشف الفشل اللبناني في السير في «سيدر» انّ لا نيّة لدى العهد في القيام بأيّ إصلاحات من ايّ نوع وأنّه اسير الاجندة الوحيدة المفروضة على لبنان وهي اجندة ايرانيّة.

 

لم يستطع العهد استيعاب ما هو «سيدر» وما هي مشاريع «سيدر» ومعنى الشراكة بين القطاعين الخاص والعام. يعيش العهد في عالم خاص به لا علاقة له بما يدور في لبنان والمنطقة والعالم.

 

عندما يضع العهد كلّ العراقيل في وجه «سيدر»، يصبح مسلسل الاحداث التي توالت منذ اجراء الانتخابات النيابيّة استنادا الى قانون صاغه «حزب الله» كي يضمن له اكثريّة في مجلس النواب، مسلسلا اكثر من طبيعي.

 

من لا يفهم معنى «سيدر» ولديه عقدة سعد الحريري، لا يستطيع استيعاب معنى انهيار النظام المصرفي اللبناني وقبل ذلك قول قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري» الإيراني، مباشرة بعد انتخابات 2018، أن ايران باتت تمتلك اكثريّة نيابية في لبنان.

 

من المفيد دائما العودة الى «سيدر» الذي كان سيؤمّن مساعدات للبنان، تصل الى 12 مليار دولار، في حال توافر شروط معيّنة. مع تجاهل «العهد القويّ» لمؤتمر «سيدر» ونتائجه يسهل فهم لماذا حصل الانهيار المالي ولماذا لا يوجد من يدرك خطورة انهيار النظام المصرفي ثم تفجير مرفأ بيروت. من لا يفهم ابعاد احداث كبيرة في هذا الحجم ويرفض طرح سؤال على نفسه، سؤال من نوع لماذا لا كهرباء في لبنان، ولماذا يعيش البلد في عزلة عربيّة، يسهل عليه جعل المسيحيين في لبنان في عهدة «حزب الله»، أي في عهدة ايران. هذا ما فعله جبران باسيل صهر رئيس الجمهورية الذي يعتقد ان تسليم مصيره لـ»حزب الله» يمكن ان ينقذ مستقبله السياسي في يوم من الايّام!

 

ما يحدث في لبنان حاليا، من تدمير للنظام التعليمي والمستشفيات والخدمات والسياحة والاعلام، امر اكثر من طبيعي. مطلوب الغاء لبنان لا اكثر. مطلوب تدمير مؤسساته الواحدة تلو الأخرى. ليس افضل من «العهد القويّ» لتنفيذ هذه المهمّة. نظرة الى تاريخ رئيس الجمهورية الحالي اكثر من كافية لاكتشاف انّ ميشال عون الرجل المناسب لهذه المهمّة التي بدأها عندما وجد في قصر بعبدا في العامين 1989 و 1990  كرئيس لحكومة موقّتة لا مهمّة لها سوى تمهيد الاجواء لانتخاب رئيس جديد للجمهورية خلفا للرئيس امين الجميّل. عمل كلّ شيء ما عدا المهمّة الموكلة اليه. نرى «العهد القوي» يعمل حاليا كلّ شيء باستثناء المهمّة التي يفترض به القيام بها وهي مهمّة انقاذ ما يمكن إنقاذه من لبنان…

 

في الفترة الأولى التي أمضاها ميشال عون في قصر بعبدا، أخذ على عاتقه تهجير اكبر عدد ممكن من المواطنين، خصوصا المسيحيين من لبنان. في الفترة الثانية التي بدأت في  31 تشرين الاوّل – أكتوبر 2016  يجري تهجير ما بقي من المسيحيين في بلد يعاني من السلاح غير الشرعي منذ توقيع اتفاق القاهرة. هذا بلد انهاه عهد سمّى نفسه «العهد القوي». لم يكن قويّا سوى على لبنان واللبنانيين للأسف الشديد.