Site icon IMLebanon

حزبٌ وشعبٌ وبارود

 

لم يؤَلّفوها، ولا ألَّـفتْهُمْ… لا دامتْ لك، ولا آلَتْ إليه.

ما هـمَّ أن ينقُصَ واحدٌ من الـهرَم الثلاثي للسلطة، فالـهَرمُ عند الفراعنة هو القبـر لجثّـةٍ محنّطة.

 

لم يؤلّفوها لأنّ الحكم ضائع والبدَلُ مِنَ الضائع ضائع، وأهل الحكم يرقصون رقصات المـوت بـدل أن يبكوا على التاج المضيّع كما النساء.

 

ملحمةُ الحكومة معهم أصبحتْ روايةً تُكتَبُ كما الملاحم الشعرية التي تروي حكاياتٍ مليئـةً بالأحداث الخوارق، تتناول مغامرات الأبطال مع الآلهة وسيرةَ شعبٍ يتلاعب بـه جنون البطل.

 

الحيرةُ بين التأليف واللاَّتأليف الحكومي يفسّرها الفيلسوف الفرنسي «جان بوريدان» في القرن الرابع عشر، وقـدْ نُسبَ إليه دليلٌ سمـيّ بدليل الحمار في قوله: لوْ وضعنا الحمار على مسافةٍ واحدة من الماء والعلَف وكان عطشُه مساوياً لجوعه لما استطاع أنْ يرجّـح جانباً على آخر بين العلَف والماء.

 

الحيرة في التأليف أخذتْ منحى الترجُّحِ بين الحكم والحكومة حول الماء والعلَف في رأسين يتناطحان، والحكم برأسين جسمٌ مشوّه، والرأس المشطور رأس فارغ، والرأس الفارغ أحبُّ المساكن إلى الشيطان.

 

خجِـلَ الخجَلُ مما ارتكبوا من عظائم، وخجِلْنا من عبارات التحقير تنهال عليهم من حكّام العالم والوزراء والسفراء كمثل ما قالوا: «نشعر بالعار حيال ما يقوم به مسؤولوكُمْ وقادتكُمْ…».

وقادتُنا والمسؤولون لم يخجلوا، اعتادوا على الذلّ…«خافوا على العار أن يُمحى» … «ما لجرحٍ بميِّـتٍ إيـلامُ».

لم يؤلّفوها، لأنهم يريدون إنقاذ أنفسهم من مسؤوليةٍ طائلة تفاقمتْ أعباؤها ولم يكونوا أهلاً لها.

 

أيُّ حكومةٍ في هذا الحكم تستطيع أن تلَملم حطامَ الدولة وهي رميم.

 

هل تستطيع اليـدُ التي دمَّـرتْ أنْ تبني، واليـدُ التي فسَدتْ أنْ تُصلح، واليد التي نهبتْ أن تكافح التهريب…؟

 

أيُّ حكومة في هذا الحكم، تستطيع أن تستعيد الثقة النافرة: ثقـة الشعب بالدولة، وثقة الدوَلِ بالدولة، وتنقـذَ شرفَ الحكام المفقود من دون «أنْ يُـراقَ على جوانبهِ الـدمُ».

 

أنْ تبقى البلاد بلا حكومة ، هو الحلم الذي يراود أصحاب الطموحات المجنونة، كمثل من يفضّلُ أنْ يُقطَع رأسُه ليصبحَ زميلاً بالإعدام للملك لويس السادس عشر.

 

البلاد بلا حكومة، أيْ أنَّ الرئيس ميشال عـون قد يعود إلى التربّع في مربَّعهِ الأول، حين عُيّـن رئيساً للحكومة سنة 1988، فكان القصر معَـهُ، قصراً وسرايا معاً.

 

أيُّ عاقلٌ في دولة المجانين يـرى، أنّ العودة بالبلاد إلى المربّـع العوني الأول قد تحقّـقُ العودة إلى مرابع الطائف…؟

 

مع هذا البركان الجهنّمي، لا طائف ولا مكّـة المكرَّمة، بل طوفانٌ وطائفية وحروب أهلية وقائمقاميات وانتدابات ووصايات إقليمية، بلْ أنظمة ميليشياوية يصبح الحزب فيها سلاح النظام والشعبُ بارودَ الحزب.

 

إذا كانوا يراهنون على أنْ تبقى البلاد هكذا بلا حكم ولا حكومة خاضعةً لطموح القيصر، فلن يبقى حكمٌ ولا حكومة ولا قصرٌ ولا قيصر، بلْ تصبح السلطة التي هي من حـقِّ الله حقاً شرعياً للشعب يسترّده بالقـوة.

 

يقول «جان بودين» القانوني والفيلسوف الفرنسي: «إنّ القوانين تنبـع من الشعب ، وإذا كانت هناك حروب تمـزّق فرنسا، فإنّ الحكومة الإستبدادية هي المخرج الوحيد لإنقاذ البلاد والنظام..»

 

إنها الحكومة التي لا بـدّ منها لإنقاذ البلاد تُطرح بإلحاحٍ على ثورة الشعب.