حبذا لو يأخذ الرئيس عون إجازة بتنا نستحقها بعد خمس سنوات مؤلمة في قصر بعبدا، أو لو يمنحنا وقتاً مستقطعاً فنستعير من تونس الخضراء رئيسها قيس سعيّد، لا لينقلب خلافاً للأصول على أصوليين ومافياويين غير معنيين بالديموقراطية، بل ليعرض على مجموعة “محترمة” لدينا “الصلح الجزائي” نفسه الذي قدمه الى مواطنيه الفاسدين.
“الضرورات تبيح المحظورات”، ومستلهماً هذه القاعدة الفقهية التي تُعلي واجب “إزالة الضرر”، جمَّد سعيّد عمل البرلمان وأقال الحكومة وكوكبة من الموظفين، لكن خطوته الملفتة كانت عرضه السخي على السارقين بأن يعيدوا جزءاً من الأموال المنهوبة في مقابل تعهدهم بمشاريع وتجنيبهم “شرشحة” المحاكمات والسجن المديد. وهنا بيت القصيد.
صارت طموحاتنا محدودة. فبعد الكوارث التي تسببت بها “المنظومة” للشعب اللبناني وإثباتها عجزه عن إنزال القصاص العادل في فاسد واحد وبقاء مطلب “تعليق المشانق” شعاراً غير قابل للتطبيق، فإننا بتنا نريد “أكل العنب لا قتل الناطور”. وكي نسهّل الأمور بحجة الواقعية لن نُعدم تفسيراً قانونياً أو اجتهاداً لعقد تسويات مع “المستفيدين” من الصفقات والتلزيمات والأنفاق والبواخر وسائر الصناديق والمزاريب. فمجلس النواب الذي يستطيع بوقاحة غير مسبوقة تحويل الأبيض الى أسود وابتداع اقتراحات قوانين لتعديل دستوري يحصِّن المطلوبين لدى المحقق العدلي، لن ينقص قدره إذا “أفتى” بأي إجراء استثنائي يعيد للبنانيين بعض ما فقدوه جراء تماديه بالتغاضي عن طول اليد وغفلة الضمير.
لا نحتاج الى همروجة “التحقيق الجنائي” ولا الى جدل بِدئه بوزارة الطاقة أو بحاكم المصرف المركزي. فالجريمة واضحة وأبطالها معروفون من “سوكلين” التي رافقت رائحتُها بداية “الجمهورية الثانية” الى مافيا الدعم والتهريب التي تنذر بدفن عظامها، وما بينهما من عشرات الملفات تكبر أو تصغر. وإذا كان قيس سعيّد حصر عرضه بـ 460 فاسداً تونسياً كبيراً فنحن نكتفي بستة وأربعين… وكان الله يحب المحسنين. وإذا كان هدف الرئيس التونسي استعادة خمسة مليارات دولار من الناهبين فيكفينا نحن مبلغ مشابه رغم أن “الشباب” عندنا فاقوا نظراءهم التوانسة بعشرات المليارات، فلم يكتفوا بالكسب الحرام بل استولوا ايضاً على ودائع المواطنين.
كل القوانين دينية أو وضعية تتيح هذا النوع من الصفقات، إذ أفضل ألف مرة أن نستعيد دولاراً نهبه وزير نذل أو مصرفي حقير لإنقاذ طفل جائع من أن ننتظر قضاء أو سماء لاقتصاص غير مضمون من المرتكبين.
فخامة الرئيس: جئتنا بعد تعطيل قسري للمؤسسات على أساس أنك “رئيس قوي” يمزج في شخصه “عنفوان” فخر الدين و”عدل” الأمير بشير. شهدنا ما شهدناه حتى بات عهدك مضرب مَثل بالفشل الذريع. إفعل شيئاً لينصفك التاريخ. وبما تبقى لك من وقت في القصر حاول تقليد نظيرك التونسي. اللائحة يعرفها الكبير والصغير، لكن لا تنسَ أن تبدأ بالأقربين.