إستطاع الرئيس المكلف نجيب ميقاتي أن ينزع الحجج التي تذرع بها الفريق الرئاسي لتبرير موقفه السلبي من الرئيس سعد الحريري وصولاً لدفعه إلى الاعتذار.
أخذ الرئيس ميشال عون على الحريري أنه أمضى وقتاً في “شم الهوا” في أسفاره، على رغم أنه في الحصيلة اجتمع معه زهاء 21 مرة أكثرها في الأسابيع الأولى من الأشهر التسعة لتكليفه. وأخذ عليه رفضه الاجتماع بالصهر النائب جبران باسل على رغم اتفاقه مع عون على أن يشكلا سوياً الحكومة بلا رئيس الظل، ووفق صلاحياتهما الدستورية. كما أخذ فريق عون على الحريري رفضه “الشراكة” و”إهداره” حقوق المسيحيين في اختيار الأسماء وتوزيع الحقائب.
إلتقى ميقاتي باسيل قبل التكليف، فرفض تسميته والمشاركة في الحكومة أو منحها الثقة في انتظار برنامجها، كما ادعى، في وقت أبلغ مقربين أن لا حكومة. كثف اجتماعاته مع عون ويستعد للرابع اليوم خلال 7 أيام من تكليفه… شاوره في التوزيع الطائفي للحقائب، وتوقف التداول عند عقدة إصرار الأول على حقائب الداخلية والعدل والشؤون الاجتماعية، على أن يتم إيجاد مخارج، مع أن الرئيس المكلف حرص على إشاعة أجواء التفاهم على “معظم” الاقتراحات التي قدمها. إستفاد من الأيام الثلاثة الماضية لتشغيل محركات من يطرحون المخارج الوسطية وجس النبض حولها.
تقصّد ميقاتي إسقاط الذرائع التي استخدمت ضد الحريري، لأنها شكلية غرضها التغطية على العوائق الجوهرية في التأليف. فهذه العوائق استدعت إصدار المبادئ الستة عن رؤساء الحكومات السابقين، مع رفض حصول أي فريق على الثلث المعطل، مقترنة مع دعم ترشيحه. اليوم يبدأ الاختبار الجدي لإمكان التوصل إلى حلول وسط. وإذا كان من الطبيعي أن يستفيد الرئيس المكلف من وصف عون له بأنه يتقن تدوير الزوايا ويتسم بالليونة، فإنه مع محيطه لم يغرق في الأوهام، رغم أنه تعاطى بإيجابية مع موقف رئيس الجمهورية، تاركاً المجال للمخارج الوسطية. وهو أبلغ عون بأن المهم أن يتعاونا من أجل التأليف، “بحيث لا تكسرني، ولا أكسرك”، في محاولة إنجاز الحكومة قريباً. لكن العارفين بموقف ميقاتي يعتبرون أن مقاربته ما زالت متباعدة عن مقاربة عون، وأن صيغة إسناد الداخلية إلى شخصية مسيحية مقبولة من الرئيسين، بدل طرح الرئيس المكلف إسنادها لشخصية سنية محترفة في الشأن الأمني، لا يبدو سالكاً، في وقت يتنازع الرئيس عون توجهان. الأول تشبثه بموقفه المتشدد وبالشروط التي يطرحها مع صهره النائب جبران باسيل، والتي تمكنه من التحكم بتركيبة الحكومة عن طريق الثلث المعطل ولو مواربة، لغرض السيطرة عليها لأنه من المحتمل أن تتسلم سلطات الرئاسة في حال تعذر تشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات النيابية في ربيع 2022، ما يعني استمرارها في تولي مرحلة تصريف الأعمال، وتالياً في حال حصل فراغ رئاسي في خريف العام نفسه. ولا يخفي عون أمام بعض من يلتقيهم، نهج مواصلة الاشتباك السياسي. يقول إنه يقف “وحدي في مواجهة هذه المنظومة السياسية وسأبقى صامداً ولن أتراجع”. التوجه المتشدد الذي يصفه خصومه بحالة الإنكار، سيبقى عليه مهما كانت نتيجته، حتى لو لم تتشكل حكومة. وهو عكسه في الاجتماع الأول مع ميقاتي مكرراً له ما طلبه من الحريري: إقالة رياض سلامة ومقاضاته واستكمال “تغيير المنظومة المالية”، التدقيق الجنائي في مصرف لبنان الذي في اعتقاده يدين رئيس البرلمان نبيه بري والحريري (سابقاً كان يضم رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط فبات مؤخراً يتجنب ذكره)، الحصول على حقيبتي الداخلية والعدل (لسليم جريصاتي). يرافق ذلك عدم الاكتراث للضغوط والعقوبات الدولية لتسهيل التأليف، أمام ما يعتقد أن الهدف منعه من ممارسة دوره في الحكم.
أما التوجه الثاني فهو أن الوضع المأسوي الذي بلغه الوضع المعيشي لم يعد يحتمل إخضاعه للخلاف على تشكيل الحكومة الجديدة. فرغم صمود الرئيس على موقفه، يتم تحميله المسؤولية، من قبل عامة اللبنانيين، مهما كانت التهم لغيره، ولا بد من تصحيح الصورة، تجنباً لعقوبات غربية آتية قد تطال مقربين منه، بعد باسيل. فضلاً عن أن عدم تشكيل الحكومة سيزيد من تردي الأوضاع ولا بد من اتفاق مع ميقاتي إثر تنحي الحريري الذي يردد عون أنه لم يتعاطَ معه بليونة. ولا بد للرئيسين من أن يجلسا سوياً في اجتماع ماراثوني ينتهي بحكومة، من دون الأخذ بملاحظات باسيل.
هذا الأسبوع يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود: هل المطلوب حكومة اختصاصيين يريدها ميقاتي، أم حكومة سياسية يسعى إليها الفريق الرئاسي بتناغم مع “حزب الله”؟