Site icon IMLebanon

الرئيس ودعوته للحوار

 

حدّد رئيس الدولة اليوم، موعداً للحوار الوطني في قصر بعبدا، دُعي إليه رؤساء الجمهورية السابقين، ورؤساء الحكومات المتعاقبين، ورؤساء الكتل والأحزاب السياسية، لِغَرَض الحوار وإيجاد السُبل، لإنقاذ لبنان من كبوته وهلاكه.

 

البَعض أعلن المشاركة، والبعض الآخر اعتذر. فيما لبنان لمّا يزل يحتضر في غرفة العناية الفائقة، يلفظ أنفاسه الأخيرة.

 

إستند فخامة رئيس الجمهورية في دعوته لمؤتمر الحوار، إلى نَصْ المادة /49/ من الدستور، والتي تنصّ صراحة على أنّ رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، والساهر الدائم على احترام الدستور، والمُحافِظ على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه.

 

كذلك، إستند إلى نص المادة /50/ منه، كَوْنه وعندما يقبض على أزمة الحكم، يحلف ويُقسِم أمام البرلمان، يمين الإخلاص للأُمّة والدستور، واحترام دستور الأُمّة وقوانينها، والحفاظ على استقلال الوطن وأراضيه.

 

واعتبر رئيس الدولة أنّ ما يُعانيه لبنان راهناً، يستدعي عقد جلسة حوار، للمُناقشة والتباحُث، توصُّلاً للحلول الممكنة، لوطنٍ يُعاني أزمة خانقة واستثنائية.

 

أمّا لماذا تحفّظ البعض عن المشاركة، فيما تمنّع آخرون عن الحضور مُجاهرة؟

 

من المُفترض أنّ الدعوة، وحينما تكون موجّهة من رئيس الدولة مُباشرةً، يقتضي على الجميع تلبيتها، إحتراماً لمَوقع الرئاسة الأولى ومقامها.

 

لكنّ الواقع أنّ عدداً من الأطراف السياسية تمنّع عن تلبيتها، كونها صادرة عن الرئيس العماد ميشال عون، مع ما عليهم تجاهه من ملاحظات… كذا…

 

منهم مَن اعتبر أنّ الدعوة قد أتَتْ مُفخّخة، والغرض منها ينحصر في تحميل الجميع تبعات الانهيار الوشيك للوطن، فيما المُرتكِب الحقيقي هو حزب السُلطة و»حزب الله»، والقوى المؤيّدة.

 

فيما اعتبر البعض الآخر أنّ الدعوة قد وُجِّهَت من دون جدول أعمال، حيث الغَرَض منها ينحصر في رفع المسؤولية عن كاهل السُلطة والحكومة، ورَميها في أحضان القوى المُعارضة، لا أكثر ولا أقلّ.

 

كذلك، اعتبر فريق ثالِث أنّ أداء سيّد العهد، طوال أعوام ولايته، لا يُشجِّع على المشاركة على الإطلاق.

 

مِن هنا، أهمّية تأثير شخصية سيّد العهد وأدائه، في إدارة الدولة، وإدارة الأزمات.

 

قال «M.Maier» إنّ الرئاسة تأخذ طابعها وشكلها، إستناداً إلى شخصية الرئيس الذي يشغلها. وأعطى مثالاً على ذلك، الرئيس التشيكوسلوفاكي «Thomas Masaryk» الشخصيّة المُميّزة التي صنعت الإستقلال، حيث كان هذا الرئيس يَلْقى عطف شعبه واحترامه.

 

تولّى «Thomas Masaryk» السُلطة منذ انتخابه بتاريخ 13/11/1918 وبقي حتى العام 1935. حتى أنّ تعديلاً أُقِّر على الدستور (خلافاً لإرادة الرئيس) بهدف السّماح بإعادة انتخابه، علماً أنّ الدستور التشيكوسلوفاكي كان يُحظّر في حينه انتخاب الرئيس لمرّة ثالثة، إلّا بعد مرور 7 أعوام على تاريخ انتهاء ولايته الثانية.

 

حتى أنّ الشعب لقّبه «بالمُرشِد الرّوحي للدولة».

 

في المُقابل، كانت شخصية الرئيس الفرنسي «Thiers» الضعيفة والمُرتهنة، قد أضعفت سُلطة الرئاسة، التي استمرّت ضعيفة حتى بعد أن تولّاها من خلفه المارشال «Mac-mahon». مُقابل شخصية الرئيس «De gaulle» والذي كان قويّاً ومُميّزاً، فيما شخصية «Pompidou» كانت أقلّ أثراً وتميّزاً.

 

وبالتالي، السؤال المطروح، هل مارس رئيس الدولة ومنذ العام 2016 وحتى تاريخه، وفي حقبة عهده، دوره بشكل إيجابي، تجاه جميع اللبنانيين، وتعاطى مع كافة الأطراف السياسية على السواء، من دون تفرقة أو تمييز بين تيّارٍ وآخر، وبين مجموعة وأخرى ؟.

 

فإذا كان الجواب نعم، تكون نظرية الامتناع عن المُشاركة لهذا السبب ساقطة.

 

وإن كان الجواب لا، يكون الامتناع في وضع كهذا مقبولاً، وله ما يُبرّره.

 

يقول «Machiavel» في هذا الشأن ما معناه، انّ الاعتبار الشخصي لشخصية الرئيس يلعب دوراً مُهمّاً في السياسة، فشخصية الرئيس الجريئة وغير الضعيفة والعادلة، تخلق ارتياحاً لدى شعبه، فيما الشخصية الضعيفة والخاضعة وغير العادلة تولّد النقمة لدى الشعب، وتجعل من الرئيس شخصية غير مرغوب بها على الإطلاق.

«M.C. le pape: Machiavel: le politique, P.U.F., 1ère édit,Paris,1968,p.69 et s.»

 

وهل ينكر أحد أنّ شخصية الرئيس الراحل فؤاد شهاب وأداؤه المُتميّز، حَمَلت كثيرين على الطلب منه إبداء موافقته على اقتراح تعديل الدستور لأجل التمديد له ولاية جديدة ورفض.

 

فيما نعلم جميعاً أنّ هناك رؤساء للجمهورية سَعَوا إلى التمديد خلافاً لإرادة شعوبهم، منهم مَنْ أفلَحوا، ومنهم مَن رماهم شعبهم في مزبلة التاريخ.

 

في الخُلاصة، يبقى السؤال:

 

هل مَنْ تمنّع عن المُشاركة، بحجّة أداء الرئاسة الأولى، كان على حق؟

أم أنّ تَحجّجه بهذا السبب، غرضه غير ذلك؟.

 

فالجواب عن هذا السؤال بسيط:

 

هل مارس رئيس الدولة دوره على مسافة واحدة من الجميع؟

 

هل حقّق للشعب اللبناني أمانيه وآماله؟

 

هل أنجز الإصلاحات التي وعد بها ؟

 

هل نفذ الإصلاح والتغيير الذي لطالما نادى به؟

 

فلِكُلٍّ منّا جواب عن هذه الأسئلة، فيما الحقيقة واحدة، والتاريخ شاهد على ذلك، ولن يرحم. والسّلام.