615 كلمة نطق بها رئيس الجمهورية في الساعة الثامنة من مساء 3 آب 2021 سمّرت 10 ملايين لبناني، بين مقيم ومهاجر ومهجّر، أمام الشاشات. مئات الآلاف منهم تبرّكوا من الشاشة، ومئات الآلاف انبهروا… ومئات الآلاف فتحوا الساعة 8 وربع بتوقيت بيروت “صفحات جديدة تعيد لبنان إلى خريطة الابتكار، النمو والمنافسة”.
تقتضي الموضوعية الإعتراف بالجهد المبذول في سبك الكلمات كي تأتي على قدر الفاجعة. جليّ انها طُبخت على نار هادئة ونُحتت بقلم خبير أدبي. فبورك “المخ” الذي صاغ المحتوى وسلمت أيدي من أوصلوا إلينا صوت فخامته والصورة بأفضل نوعية. بدا الرئيس في سن السادسة والستين، فلا ينشغلنّ بال أحد إن لم تتأمن ظروف انتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل 31 تشرين الأول من السنة 2022. فالرئيس عون موجود ووُجد وأوجِد كي يمنع الفراغ.
في الثالث من آب، لم يقترح أي مستشار من فيلق المستشارين على صاحب الفخامة أن ينزل إلى المرفأ ويضع وردة على تراب، أو أن يستقبل أخت شهيد في فوج إطفاء بيروت من دون إعداد مسبق، أو أن يحدد موعداً للمحقق العدلي طارق بيطار، يوم الذكرى، كي يدلي بأقواله، بدلاً من طلّة متلفزة.
في الثالث من آب، كان في استطاعة رئيس الجمهورية، أن يحجز نفسه ورئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي قبالته على المقعد الجلدي، ولا يخرجان من غرفة الحجر إلّا لدواع بيولوجية. ساعة. ساعتان. أربع. يستعرضان ويبحثان ويجوجلان وينتقيان الأفضل لكل منصب وزاري… إلى أن يطلع الدخان الأبيض من داخون حاضرة بعبدا. مراسيم حكومة في الثالث من آب أما كانت أجدى من الطلّة المتلفزة؟
جلّ ما يفعله فيلق المستشارين، مجاراة العهد في مقارباته، وأولوياته، وقراءاته وطروحاته وحروبه على المنظومة الفاسدة، وليس فيها أي عوني بطبيعة الحال. جلّ ما يفعله المستشارون التهليل لصمود الرئيس القوي، كوصي على الحقوق المسيحية وكوكيل (بلا وكالة) عن القوى المستنكفة، في وجه الرؤساء المكلّفين تشكيل آخر حكومات العهد. جلّ ما يفعله الفريق الإستشاري وضع جداول زمنية بالكلمات والتغريدات في ذكرى النكبات المتتالية، على أن تنشر في ثلاثية تصدر عن “مؤسسة العماد ميشال عون” بعد كتاب Ce que je crois الصادر العام 2017.
اليوم، أو غداً، سيطرق واحد من المستشارين باب مكتب الرئيس مبتسماً. ويبلغه الخبر السار: “قد أتاك يعتذرُ، لا تسله ما الخبر”، يستأذن المستشار ويؤوبُ إلى غرفة التحرير للإشراف على كلمة سيلقيها الرئيس في يوم الشباب العالمي الموافق في 12 آب، ومستهلّها على الأرجح: “نحن الشباب لنا الغدُ… ومجده المخلّدُ”.