أناط الدستور اللبناني، برئيس الحكومة المكلّف أمر تشكيل وزارته بالتشاور مع رئيس الجمهورية حصراً، وبما أن لا حكومة تولد من دون توقيع صاحب الفخامة، وباعتبار أن الإثنين شريكان متساويان في عملية التأليف ولا وجود لثالث لهما في أي نص أو اجتهاد دستور، فذلك يقود إلى ثلاثة استنتاجات:
الأول: أن رؤساء الجمهورية، بعد عصر الوصاية السورية، يتفرّدون بتعطيل ولادة الحكومات أو يؤخّرون ولادتها لحسابات خاصة.
الثاني: أن رؤساء الحكومة المتعاقبين هم معطّلو التأليف لأنهم يريدون الإنقضاض على العادات والتقاليد والأعراف وعلى روح الدستور.
الثالث: أن رؤساء الجمهورية والرؤساء المكلفين تشكيل الحكومات شركاء في التعطيل.
هل من استنتاج رابع؟ الرجاء إفادتنا.
أحبائي،
كحصانين يجرّان العربة، كلّ في اتجاه، وكزيت وماء في كوب يستحيل مزجهما ولو بتدخّل مباشر من الروح القدس، كمتزوجين قسراً نتيجة ضغط الأهل وسماسرة العرسان، هكذا يبدو لي رؤساء الجمهورية والحكومة في لبنان، لا كيمياء مشتركة بينهما ولا فيزياء ولا رؤية مشتركة لمستقبل العيلة، الرئيس السنيورة وقاهر البحار نموذج أوّل. الرئيس القوي والرئيس سعد الحريري نموذج ثان ولا حاجة للعودة إلى المغفور لهما سليمان فرنجيه ورشيد كرامي.
لم يقل دستور الطائف لا بحصة لرئيس الجمهورية، ولا بتشكيل مجلس وزراء على مقاس مصغّر لمجلس النواب ولا قال بالوراثة في وزارات العمل والإتصالات والطاقة، ولا قال بحقيبة المال للشيعة والرياضة والشباب للأرمن والمهجّرين للدروز والعدل للموارنة.
ولم يقل الدستور إن رئيس الحكومة المكلّف صندوق لجمع أسماء المرشحين لدخول الحكومة ولا قال إن رئيس الجمهورية باش كاتب ولا قال إن كل طائفة تسمي وزراءها، ولا قال بالتواصل أو عدم التواصل مع الكتل خارج الإستشارات التي تجرى في مجلس النوّاب.
ولم يأت الدستور على ذكر المهل، ولا أشار إلى أهمية الوقت في حياة الشعوب والأمم، لكن الرئيس العماد ميشال عون تنبّه كرؤيوي إلى هذه الأمور، فقال لأحد الصحافيين المُرضى عنهم “لكل دقيقة قيمتها” في إشارة إلى وعيه لمخاطر تأخير تشكيل حكومة يرضى عنها وبها.
أيها الأحبة، إناثاً وذكوراً،
يوم إنيطت بالجنرال ميشال عون رئاسة حكومة إنتقالية للإشراف مبدئياً على إجراء إنتخابات رئاسية في العام 1988، عاد إلى تجربة اللواء فؤاد شهاب في العام 1952 وفعل العكس تماماً، فأهدر سنتين من عمرنا، وقبل انتخابه أهدر سنتين ونيّف، وفي 29 أكتوبر 2021 يكون قد مضت سنتان على استقالة سعد الحريري وأُهدرت سنتان على كل فرص الإنقاذ.
ولكل دقيقة من الأعوام، المهدورة قصداً، ثمنها. عشتُ وعاش لبنان.