رئيس الجمهورية يواجه مآسي وأزمات اللبنانيين بتعطيل تشكيل الحكومة
لم يصدّق اللبنانيون رئيس الجمهورية ميشال عون، بأي وعد اغدقه عليهم ، او، بأي امنية، بشّرهم بها منذ توليه سدة الرئاسة قبل ما يقارب الخمسة أعوام، سوى وعده بأن البلد ذاهب إلى جهنم. اما باقي الوعود والشعارات الوردية الجوفاء، والعناوين الطنانة والرنانة، لم تكن الا لتخدير الناس، والهروب الى الامام من الفشل والعجز عن تحقيق اي انجاز او خطوة الى الامام، فيما كان لبنان يغرق بمزيد من الازمات والمشاكل التي تسببت بها، سياسة وممارسات عون وفريقه السياسي. بداية العهد، التي حازت على دعم معظم الاطراف السياسيين، على أمل النهوض بالبلد نحو الافضل، ما لبثت ان تحولت سريعا على يد وريثه السياسي النائب جبران باسيل، الى مخطط خبيث، لوضع اليد على مفاصل الدولة وتأجيج الخصومة السياسية مع الجميع، وتعطيل كل مساعي وخطط النهوض بلبنان نحو الافضل. لم يتحقق اي شعار طرحه رئيس الجمهورية، بل وجد اللبنانيون انفسهم، يعيشون في دوامة من الاكاذيب والاوهام التي شكلت العامود الفقري لسياسة العهد منذ بداياته والتي انعكست سلبا على واقع عيشهم وحياتهم، ما دفعهم في النهاية الى الانتفاضة والاعتراض على هذه الممارسة المتردية والمطالبة بتغيير كل التركيبة السلطوية في السابع عشر من تشرين الاول عام ٢٠١٩.
ad
لم يتعظ العهد من مؤشرات الانتفاضة الشعبية ضده تحديدا، حاول تجاوزها بتشكيل حكومة جديدة على قياسه، بعد استقالة حكومة الرئيس سعدالحريري، تبنت خطاب ونهج العهد وفريقه الفاشل، ولم تستطع، حل الأزمة، القائمة، بل زادتها استفحالا بسبب سوء الاداء، وقلة الخبرة بممارسة السلطة، ما ادى الى مزيد من التدهور الاقتصادي والمعيشي، وزيادة منسوب الفوضى وعدم الاستقرار. لم يقتصر سوء الاداء الرئاسي العوني على الواقع الاقتصادي والمعيشي فحسب، بعد تمنع السلطة عن ايفاء مستحقات سندات اليوروبوند، والتلكؤ في وضع برنامج مع صندوق النقد الدولي لمعالجة الأزمة المتعددة الاوجه، بل ادى عدم التعامل بجدية مع وجود شحنة نيترات الاومنيوم بمرفأ بيروت، والتحوط لمخاطرها، الى حدوث الانفجار المدمر الذي اودى بحياة وجرح المئات من المواطنين الابرياء ودمر أجزاء واسعة من العاصمة ومؤسساتها ومرافقها ومبانيها. لم يخفِ رئيس الجمهورية معرفته المسبقة بوجود نيترات الامنيوم بالمرفأ، ولكنه تذرع بعدم وجود صلاحيات لديه لاتخاذ الاجراءات والتدابير اللازمة لمعالجتها، للتهرب من مسؤوليته بمنع وقوع الانفجار المدمر، برغم كونه يرأس اجتماعات المجلس الاعلى للدفاع المخول معالجة مثل هذه الحالة قانونا. بعد عام على هذا الحدث الماساوي بكل المقاييس، وبعد استقالة حكومة حسان دياب، وجد اللبنانيون انفسهم، امام عهد، لا يتحسس بمعاناتهم، ولا يأبه لمشاكلهم التي تزداد يوما بعد يوم. فمن كارثة تفجير المرفأ، بكل مآسيها وتداعياتها المدمرة لم يكن تحرك السلطة على مستوى هذا الحدث لتسهيل وتسريع التحقيقات بهذه المأساة وكشف ملابساتها، ولم تضع أي خطة مدروسة وبرغم كل المناشدات لتوظيف الدعم العربي والدولي لاعادة اعمار وتشغيل المرفأ، الى انهيار سعر صرف الليرة اللبنانية الى مستويات غيرمعهودة من قبل.
وجود الحكومة أكثر من ضروري وملحّ لمباشرة الإنقاذ وحلّ الأزمة
اكثر من هذا وجد اللبنانيون انفسهم بلا حكومة طوال السنة المنصرمة، وجودها اكثر من ضروري وملحّ لمباشرة الإنقاذ وحل الازمة الضاغطة. انشغل رئيس الجمهورية وفريقه بتعطيل كل محاولات تشكيل الحكومة اكثر من اي امر آخر. وجد اللبنانيون انفسهم بتردٍّ وانقطاع كامل للتيار الكهربائي عن سائر الاراضي اللبنانية وغرق لبنان بالعتمة، وندرة مادة البنزين، واختفاء المازوت من الاسواق والمستشفيات مهددة بالتوقف عن معالجة المرضى، فيما المفارقة، ان ملف هذه الامور الثلاثة، هي في يد وسلطة الوريث السياسي لرئيس الجمهورية منذ اكثر من عشر سنوات، ناهيك عن فقدان الدواء من الأسواق نهائيا.
هذه الازمة والفوضى وتفلت الأوضاع واستشراء التهريب برعاية مكشوفة من الوريث المذكور، تسببت امس الاول بمأساة مجزرة احتراق صهريج البنزين في عكار التي ذهب ضحيتها عشرات المواطنين، فيما يسقط يوميا ضحايا حوادث التهافت على المحروقات على كل الاراضي اللبنانية. ويظهر ان كل هذه المآسي والدماء البريئة التي تسقط كل يوم، لم تحرك ساكنا لدى رئيس الجمهورية ميشال عون، الذي يبدو أنه في عالم آخر منفصل تماما عن عالم اللبنانيين، لا يشعر بمعاناتهم، ولا يتحسس آلامهم وبؤسهم اليومي. يعتبر مآسيهم واوجاعهم وكأنها امر طبيعي وعادي. يبلسم آلامهم بالحديث عن صلاحياته الدستورية التي اصبحت وسيلة لتعطيل تشكيل الحكومة، يماطل بتشكيل الحكومة وكأن الأوضاع عادية، تحتمل مثل هذ الترف باستقطاع مزيد من الوقت سدى. فلا داعي لأي تحرك استثنائي لتجاوز الأنانيات. فلا حكومة، اذا لم تؤمن مصالح ومستقبل وريثه السياسي، وبعدها فليذهب كل الناس الى الجحيم الموعود في معجم الرئيس» القوي».
عهد الرئيس ميشال عون، فقد كل مقومات ادارة السلطة وممارسة صلاحياته الدستورية للصالح العام والوطن. لا تحركه مآسيهم واوجاعهم. العهد أصبح عهد حفار القبور بامتياز.