منذ ان دعا رئيس الجمهورية ميشال عون حكومة تصريف الأعمال الى الانعقاد لمناقشة قرار رفع الدعم عن المحروقات، ومن ثم توجيهه كتابا الى مجلس النواب في هذا الصدد بعد رفض رئيس الحكومة د. حسان دياب لعقد الحكومة، طُرحت أسئلة حول أسباب لجوء عون الى هاتين الخطوتين، بينما برزت وجهات نظر متباينة حول رفض دياب عقد جلسة حكومة التصريف، حتى اتخذ الامر منحى طائفيا.
ad
يلفت الخبير الدستوري والأستاذ الجامعي د. عادل يمين، النظر الى ان رئيس الجمهورية لم ينفرد في توجيه الدعوة الى الحكومة، بل مارس صلاحيته الدستورية المنصوص عليها في الفقرة 12 من المادة 53 من الدستور التي تجيز له ان يدعو مجلس الوزراء استثنائيا كلما رأى ذلك ضروريا، بالاتفاق مع رئيس الحكومة. ولذلك هو لم يعيّن موعدا محددا ولم يوجه الدعوة الى الوزراء، بل بادر الى توجيه طلب الدعوة الى دياب لأن الامر يستدعي اتفاقا بين رئيسي الجمهورية والحكومة.
و«بحسب الدستور فإن المبادرة في طلب الاجتماع الاستثنائي لمجلس الوزراء هي بيد رئيس الجمهورية، ولكنّ هذه المبادرة تحتاج إلى موافقة رئيس الحكومة لتتحول إلى دعوة مكتملة، ولا نصّ في الدستور يُحظّر على الحكومة الانعقاد، وحيث ان الازمات الاجتماعية الخانقة وخاصة تداعيات قرار حاكم المصرف المركزي بوقف الدعم المفاجىء والكامل والفوري عن المشتقات النفطية ادت الى تهديد الامن الاجتماعي، كان لا بد لرئيس الجمهورية ان يقوم بما يمليه عليه واجبه الدستوري».
ويشير الى ان الفقرة 12 من المادة 53 من الدستور لا تحدد كيفية اتمام الاتفاق بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة على انعقاد الجلسة استثنائيا، وبالتالي عندما وجّه رئيس الجمهورية الكتاب الى رئاسة مجلس الوزراء يدعو بموجبه الى اجتماع لمجلس لمجلس الوزراء بالاتفاق مع رئيس الحكومة، فهو قام بالشق الذي يقع على عاتقه، أكان سبق ذلك اتفاق أم لم يسبقه، وبقي الشق المُلقى على رئيس الحكومة اذا كان سيستجيب لطلب عقد الجلسة أم لا.
يعود كثيرون بالذاكرة الى سوابق عدة لاجتماع حكومات لتصريف الاعمال. ويُذكّر يمين حين كان دياب وزيرا للتربية في حكومة الرئيس نجيب ميقاتي العام 2013 في عهد الرئيس ميشال سليمان. حينها انعقد مجلس الوزراء واتخذ قرارات تتصل بالعملية الانتخابية النيابية ومن بينها تعيين أعضاء هيئة الاشراف على الانتخابات والتي كانت ترتب أعباء ونفقات مالية، ولم يكن في الامكان تجاهل ذلك حتى لا تنقضي المهلة التي كانت مخصصة لذلك.
ويسأل الأستاذ الجامعي ثم يجيب: هل كان الرئيس دياب يشارك عندها في مخالفة للدستور؟ بالطبع لا، لأن لا نص دستورياً يمنع مجلس الوزراء من الانعقاد في ظل حكومة مستقيلة. وفوق ذلك فإن مفهوم تصريف الاعمال بالمعنى الضيق يشمل الاعمال التي تُعتبر تصريفاً للاعمال بطبيعتها وتتعلق بالبريد العادي اليومي للوزراء وتسيير شؤون الناس اليومية والأعمال العادية من دون ترتيب أعباء مالية والتزامات اضافية على الدولة، ولكنه يشمل ايضا الاعمال التي تُعدُّ تصرفية، الا انها متى اتسمت بالعجلة او بالضرورة او بالصفة الطارئة او بخضوعها لمهلة قانونية او دستورية، دخلت إذ ذاك ضمن نطاق مفهوم تصريف الاعمال بالمعنى الضيق وإن كانت بطبيعتها الاصلية أعمالا تصرفية.
ويتساءل: هل هناك اقسى واصعب وامرّ واخطر مما نمرّ فيه اليوم من تهديد للأمن الاجتماعي للمواطنين وازمات معيشية واستشفائية واقتصادية ووباء ومؤسسات مهددة بالاقفال وازمات على صعيد الافران والمشتقات النفطية، حتى يلتئم مجلس الوزراء؟ وهل يمكن تفسير الدستور على قاعدة ترك البلاد بلا ادارة وسلطة تنفيذية وتفسيره على قاعدة ترك البلاد لمواجهة قدرها بحجة ان المادة 65 تحصر تصريف الاعمال بالمفهوم الضيق؟ ومن قال ان هذا المفهوم لا يشمل التصدي الحتمي والضروري للأزمات التي تتعلق بالوجود الانساني وحقوق الانسان؟
ad
وبذلك على الحكومة ان تكون حكومة تصريف للأعمال لا حكومة تعطيل. «والثابت فقها واجتهادا ان مفهوم تصريف الاعمال يتوسع عندما تطول مدة التصريف وخصوصاً في ما يتعلق بالاعمال التي تتصف بالضرورة أوالعجلة أوالصفة الطارئة أو الخاضعة لمهلة».
خيارات مفتوحة
وعلى صعيد رسالة رئيس الجمهورية الى المجلس النيابي، يرى مؤيدوها انها من صلاحيته التي تهدف الى محاولة التعويض عن الشلل الحكومي الحاصل، وتستند إلى الفقرة 10 من المادة 53 من الدستور.
وأراد رئيس الجمهورية حث المجلس النيابي على المشاركة في تحمل المسؤولية والسعي إلى إيجاد الحلول في ظل تلكؤ الحكومة وحتى لا تكون الناس متروكة لمصيرها، وذلك انطلاقاً من قاعدة تعاون السلطات،
وقد عرض في رسالته الى البرلمان مآل الازمة وتداعيات قرار حاكم المصرف المركزي.
ويوضح يمين بأنّ على رئيس المجلس النيابي أن يدعو البرلمان للانعقاد خلال ثلاثة أيام لمناقشة مضمون الرسالة، واتخاذ الموقف أو الإجراء أو القرار المناسب، استناداً إلى الفقرة 3 من النظام الداخلي للمجلس النيابي.
وإذ اعتبر أنه من الواجب عدم المس بالاحتياطي الإلزامي، رأى أنّ رسالة رئيس الجمهورية تشكل فرصة امام البرلمان لمنع تحول قرار الحاكم الى كارثة اجتماعية واتخاذ التدابير اللازمة لمعالجة الوضع المستجد وتوفير البدائل.
ويوضح أنّ النظام الداخلي للمجلس النيابي لا يحدد طبيعة الموقف أو الإجراء أو القرار الذي يمكن أن يتخذه البرلمان جواباً على رسالة الرئيس، الأمر الذي يعني أن الخيارات، مبدئياً، مفتوحة.
وعلى صعيد آخر، لاحظ المراقبون، ان تنازع الصلاحيات الذي يتخذ منحى طائفيا صارخا، برز ايضا لدى انعقاد المجلس الاعلى للدفاع من دون الرئيس دياب. وفي هذا الخصوص يلفت يمين النظر الى ان رئيس الجمهورية حسب المادة 49 من الدستور هو القائد الاعلى للقوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء وهو رئيس المجلس الاعلى للدفاع، أما رئيس الحكومة بحسب المادة 64 من الدستور فهو نائب رئيس المجلس الأعلى للدفاع ولا يوجد نص يوجب حضور رئيس الحكومة اجتماع هذا المجلس من أجل قانونية انعقاده، عدا عن ان هذا الغياب جاء نتيجة الحجر الصحي للرئيس دياب بعد تخالطه مع احد المصابين بوباء كورونا، «وتم التفاهم بين الرئيسين عون ودياب على ان يتم انعقاد اجتماع المجلس الأعلى للدفاع بغياب رئيس الحكومة في ضوء ما تقدّم».