بلغ تدجين المواطن مداه وصار نظام الطوابير نظاماً رسمياً للجمهورية. افتتحت المصارف اسلوب الحياة الجديد عندما وضعت ايديها وارجلها على ودائع ومدخرات زبائنها من مقيمين ومغتربين، واجبرتهم على الوقوف اذلاء طلباً لنذرٍ يسير من اموالهم تكرّمت به ادارات المصارف…
ثم تتالت الحلقات. بدأ الموظف يراقب تبخّر راتبه امام عينيه من دون أملٍ بتعويض. ارتفعت اسعار المواد الاساسية وانعدمت القدرة الشرائية، ثم اختفت تلك المواد الضرورية. غاب الدواء وغاب البنزين واختفى المازوت واختفت الكهرباء التي يقال ان نصف دين لبنان صُرف من أجل تأمينها 24 على 24 ساعة في اليوم الواحد وليس في شهرٍ او سنة.
صار نظام الطوابير عاماً. بعد المصارف وُلد طابور البنزين وطابور المازوت وطابور الخبز وطابور الدواء، وقبلها كلها كان هناك ذلك الطابور الخامس الذي يحكم البلد.
والتدجين لم يبدأ هنا فقط. قبله ساد التدجين السياسي.7 ايار كان تدجيناً للناس والسياسيين، والإغتيالات التي سبقته كانت تدجيناً، وفي السنوات اللاحقة حلّ التدجين الأكبر عندما جرى شلّ المؤسسات ونسف الدستور وتأبيد الفراغ في رئاسة الجمهورية حتى استوى التدجين وأسفر عن تعيين رئيس.
والتدجين استمرّ وازدهر عندما اندلعت الإحتجاجات. أنزل زعماء الطوائف ازلامهم لمنع اتساع الانتفاضة ولحفظ مقام ممثل الله على مزبلة الانهيار.
ولكي تكتمل الصورة اشتغل باڤلوف على الحكومة. وبين اخذ وردّ وإقبالٍ وصدّ مرّ عامان وحكومة الاصلاح والاختصاصيين ممنوعة، ويبدو ان تجارب باڤلوف صارت جاهزة لإعلان حكومة المحاصصة بالأسماء والصفات. نسينا الانهيارات والانفجارات وبات القبول بالماعز في الغرفة الصغيرة انجازاً.
انه عهد التدجين. ليس مهمّاً من يجلس على قمّته، لكنه عملياً نجح في جعل اللبنانيين ينتظرون طوابير طوابير من اجل غرضٍ صغير، فيما هم يعرفون ان حاجاتهم محتكرة او مهرّبة الى الخارج، في مقايضة تجعل من حكّامهم بضاعة مهرّبة من الخارج الى الداخل…