بينما كان اللبنانيون ينتظرون، ان يتواضع رئيس الجمهورية ميشال عون قليلا، ويبشرهم بقبوله توقيع مراسيم تشكيل الحكومة الجديدة، فاذا به يصدمهم مجددا، بترحيل تشكيلها الى موعد، لا يعلمه الا من يقبض على قرار الولادة في غياهب الملف النووي الايراني. والاهم من ذلك، ذهب عون بعيدا، في تبني موقف وريثه النائب جبران باسيل، برمي كرة مسؤولية تداعيات ازمة المحروقات الكارثية، على الحكومة المستقيلة والمجلس النيابي وحاكم المصرف المركزي، ولم يميّز نفسه عنه ولو بفارق بسيط. ينسى رئيس الجمهورية او يتناسى، انه هو من تولى، بالتضامن والتكافل مع وريثه السياسي، هندسة، سياسة دعم المحروقات، التي ذهب معظم اموالها لجيوب محتكري الطاقة والتهريب المنظم الى نظام حليفه الاسد. والان يدعي بانه فوجىء بقرار الحاكم، وقف تمويل دعم المحروقات، الا بقانون يصدر عن المجلس النيابي، برغم اعلان الحاكم مرارا، انه ابلغ جميع المسؤولين والحكومة بهذا القرار من قبل، وكان آخر موقف له بهذا الخصوص في الاجتماع الاخير للمجلس الاعلى للدفاع برئاسة عون نفسه.
ad
يحاول رئيس الجمهورية بمواقفه هذه رمي كرة مسؤولية تداعيات أزمة المحروقات المدمرة، في ملعب خصومه السياسيين، لشد عصب جمهوره ولاخفاء فشل حلوله وممارساته، ونافضا يديه من تداعيات، ما وصل اليه لبنان من وضع مأساوي صعب. ويبقى ان هدف عون غير المعلن من وراء تأييده القوي، لاستمرار سياسة الدعم للمحروقات وغيرها، توفير مستلزمات إكمال مسيرة العهد على هذا النحو، وامعانه بالتهرب من تشكيل حكومة جديدة الى وقت غير معلوم، ليدخل لبنان في حال فراغ اذا تم تعطيل اجراء الانتخابات النيابية المقبلة لظروف قاهرة، والرئاسية من بعدها، بما يخوله، حسب ما يردده بعض مؤيديه، الاستمرار في سدة الرئاسة بحجة منع الفراغ وتسيير شؤون الدولة. الانكى من كل ذلك ان عون يعتبر صرخات واوجاع الناس وانتقاداتهم، بمثابة، مزايدات شعبوية، واشاعات واتهامات، لقلب الحقائق، وكأنها مزيفه ولا صحة لها. اما المضحك المبكي، فهو تصوير نفسه بالضحية، لسياسات وممارسات خصومه السياسيين، وانه بحدود صلاحياته المحدودة، اجترح لهم، الحل الترقيعي العجائبي، للتخفيف عنهم من معاناة واذلال المحتكرين والمتواطئين. بالطبع، لم يتطرق عون الى صلاحياته الدستورية، التي يستعملها في غير مكانها الصحيح، لتعطيل تشكيل الحكومة، والامعان في بقاء لبنان بلا حكومة جديدة منذ ما يقارب العام، بل يحاول التلطي وراء ما يدعيه بصلاحياته المحدودة من وجهة نظره، للتهرب من مسؤوليته، في تفاقم الازمة وارتداداتها المدمرة على لبنان كله.
عبثا، يقفز رئيس الجمهورية فوق الام الناس ومآسيهم، التي لا تتوقف في عهده المشؤوم. يهرب باستمرار، الى الحلول الترقيعية، التي لا تحل مشكلة المحروقات، بل تفاقمها وتزيد من معاناة الناس واذلالهم على نحو غير مسبوق، ولا تضع حدا لمشكلة اختفاء الدواء والخبز، وعذابات الناس اليومية.
يلتف عون على مناشدات المواطنين لوقف كارثة الانهيار المدمر، بتوجيه رسالة تلو الاخرى الى مجلس النواب، تارة، للتخلص من عبء تكليف الرئيس سعد الحريري بتشكيل الحكومة في وقت سابق، خلافا لرغبته وتوجهات فريقه السياسي، وتارة اخرى، للاقتصاص من حاكم المركزي الذي تجرأ على رفض طلبه، والتجاوب مع رغبات وريثه السياسي، لاستمرار سياسية دعم المحروقات كما كانت، استجابة لمنافع محتكري امتيازات الطاقة المقربين، بدلا من تسريع ولادة الحكومة العتيدة.
ادعاء رئيس الجمهورية بأن ما يقوم به من اجتماعات، وما يخترعه من معالجات ظرفية مهدئة، هي لصالح اللبنانيين ولحل مشاكلهم، وانهاء حالة بؤسهم، لم تعد تنطلي على احد، ولا تلقى من يصدقها. لم يعد بإمكان عون اخفاء مسؤوليته المباشرة عن تعطيل تشكيل الحكومة، تحت عناوين وذرائع وهمية ومزيفة، ولم تعد وعوده بقرب تشكيلها محل ثقة، او يمكن تصديقها بعد ان سمعوا مثلها مرارا طوال العام الماضي وكلها، ذهبت ادراج الرياح. فلو كانت لديه ارادة جدية وصادقة لحل الازمة الكارثة، التي يتخبط فيها البلد، لكان اتبع الطريق الاقصر لحلها، بتشكيل الحكومة فورا، بدلا من ممارسات اللف والدوران في مسلسل الصلاحيات والميثاقية ووحدة المعايير وما شابه، واختراع المعالجات الترقيعية العقيمة، التي تزيد من معاناة اللبنانيين وهدر الاموال العامة دون طائل، ولا توفر لهم الحلول الصحيحة والدائمة لسلسلة الازمات والمشاكل التي يواجهها لبنان حاليا.
ما يقوم به رئيس الجمهورية من ممارسات بهلوانية لوقف الكارثة وحل الازمة الاساس، هو استمرار للتماهي مع قرار حزب الله بمنع تشكيل الحكومة في الوقت الحاضر، ما دامت مفاوضات الملف النووي الايراني لم تبلغ نهايتها القريبة بعد، وللتغطية على سياسة الفشل والتهرب من استحقاق تشكيل الحكومة الجديدة، لتحقيق مكاسب ومصالح حزبية وشخصية خاصة. وكل ما يثار من تفاصيل هامشية، خلاف ذلك، هو لذر الرماد في العيون.