لم يسلم اللبنانيون، على وجه العموم، من عذابات «المنظومة السياسية – المافيوية» القابضة على القرارات، ولم يسلموا بالمخارج العونية التي «مرمغت انوفهم» توسلا لحلول لأزمات المحروقات والكهرباء والماء والدواء والاستشفاء، وارتفاع اسعارها الخيالي، وبقي التخبط العشوائي سيد المواقف في اليوميات اللبنانية المتتالية منذ اشهر… وطوابير الذل تنتظر غالون بنزين او مازوت وجرة غاز او ربطة خبز وحبة دواء وكوب ماء… ولم ترس «التسعيرة الحكومية» المطلوبة بإلحاح، خارجيا وداخليا، على رقم معين، خصوصا وان منسوب الايجابيات المفترضة، يتراجع، وكأن شيئا لم يكن، حيث استنتج عديدون ان «لا حكومة انقاذ – اصلاحية « في المدى المنظور، «الا اذا…» الشرطية؟! وذلك بالتقاطع مع الجهود التي تبذلها المؤسسات العسكرية والامنية في دهم محطات بيع المحروقات واماكن تسويقها، ومراكز «السوق السوداء» مع تعزيز حركة ضبط الحدود البرية ومنع اخراج او ادخال الممنوعات عبر هذه الحدود…
ما دلت عليه الوقائع تؤكد تفليسة «المنظومة» اياها، وطنيا وسياسيا واخلاقيا… وما كشفت عنه التسريبات تشير الى ان المساعي تراوح. عند جملة نقاط خارجية، من بينها «الفيتو الاميركي» على كيفية تمثيل «حزب الله» وحلفائه، وداخلية تتمثل بفرض رئيس الجمهورية ميشال عون «شروط قديمة متجددة، تهدد ما تبقى من فرص للخروج من مأزق تأليف الحكومة…» وهو، اي الرئيس عون، يمضي في وضع العراقيل متمسكا بشروطه، واملاءاته و»حصته الوزارية» و»الثلث المعطل» تعزيزا لحضوره السياسي في بيئته الشعبية – الانتخابية…؟!
ونواب الامة اخر ما يعنيهم ما حصل وما يمكن ان تؤول اليه الاوضاع… غابت اصوات النواب و السياسيين «النافذين»، وواصلت «مرجعيات روحية» رفع الصوت عاليا، من غير ان توفر عبارة ذم واحدة بـ»القيادات السياسية والمسؤولين»، منددة بما الت اليه اوضاع اللبنانيين، وداعية الى اخراج البلد من هذه المحن التي حطت وطاولت، مع تعثر تشكيل الحكومة الجديدة، الذي تجاوز الثلاثة عشر شهرا، بما يؤكد ان «المسؤولين المعنيين لا يريدون حكومة، تاركين الناس يتدبرون امورهم…» والمرجعيات تصرخ، وبالصوت العالي: «ايها المسؤولون اوقفوا التلاعب بمشاعر الشعب وتعذيبه والعبث بمصير الدولة والوطن…» على ما قال البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، في عظة الاحد الماضي، في الديمان… من اسف ان استنزاف. تشكيل الحكومة. يتواصل، وكل صيغة تواجهها صيغة، وكلما حلت شروط واجهتها شروط مضادة، غير عابئة بالدعوات لوضع حد لنهج التعطيل وسلبياته، ورئيس الجمهورية ماض في غسل يديه وتبرئة ذمته من كل ما حل بالبلد من ازمات ومصائب وويلات، ويقدم نفسه «قديس القرن الحادي والعشرين..» وهو يتمترس وراء قرار «اجتماع بعبدا» الاخير، دعم مادة المحروقات واعطاء موظفي الادارات العامة «مساعدة مالية عاجلة»، بإنتظار اعادة النظر بالرواتب التي تدنت جراء انهيار سعر صرف الليرة امام الدولار… ينشغل اركان «المنظومة» بالمستجدات، من الغاز المصري، والنفط الايراني عبر سوريا، متجاوزين ملء الشغور الحكومي الذي يبقى ركيزة واساس الحلول المطلوبة، خصوصا وان غير جهة نافذة ترى ان اساس الازمة هو عدم تشكيل حكومة تستجيب لحاجات لبنان واللبنانيين في الاصلاح والانقاذ… والكف عن سياسة اضاعة الوقت بالخلافات والتباينات المصطنعة والمفبركة حول الاسماء والحقائب والحصص، والثلث المعطل، وهي سيناريوات لازمة عهد الرئيس عون الذي يؤكد لمقربين منه انه «يخوض معركة. حياة او موت، في العودة الى الصلاحيات الرئاسية ما قبل الطائف…»؟! وقد نبه الرئيس نبيه بري الى «ان كل تأخير ومماطلة وفرض شروط قديمة متجددة على طريق تشكيل الحكومة هو جريمة في حق كل اللبنانيين…»؟!