قبل مقاربة الدعوات الى “استقالة الرئيس” لا نشكك في رغبة أكثرية اللبنانيين في رؤيته اليوم قبل الغد مستريحاً في الرابية، أو متقاعداً مثالياً يروي تجربته قرب احدى بحيرات سويسرا، بل لتمنّوا لو انهارت البلاد في زمن حكومة تمام سلام ولم يتسلّم كرسي الحكم قبل خمس سنين، ولو أن أمين الجميل لم يختره أصلاً لتأمين الانتقال في 1988.
صار ضرورياً تصويب فكرتين تروّجهما أطراف سياسية، أولاهما ان رأس الأزمة هو الرئيس، وبداية حلها تكمن في تنحّيه ليفتح باب التغيير… أبسط ردّ على هذا الاعتقاد المغلوط أو الملغوم هو أن الرئيس ليس رأس المنظومة بل إحدى أدواتها. القيادة معقودة اللواء لـ”حزب الله” الآمر الناهي ومالك قرار التعطيل والتسهيل.
وإذ ان أبرز الداعين الى استقالة الرئيس عون هو الرئيس سعد الحريري، فإن الأخير يعلم ان جدية المسعى تفترض أكثر من تصريح أو تغريدة، أو رغبة دفينة في تجديد شباب الطبقة السياسية عبر انتخاب سليمان فرنجية صديق الرئيس السوري وحليف “حزب الله”. المطالبة بتنحي الرئيس تستلزم الصراحة الكاملة والنية في خوض معركة توصل فعلاً الى هدف نبيل هو إعادة الرئاسة الى الموقع الوطني السيادي الصحيح.
ليس أمام الحريري والمتحمسين لإسقاط رئيس الجمهورية إلا وسيلتان. الأولى تقصير ولاية المجلس النيابي عبر قانون أو استقالات في انتظار ما يقرره البرلمان العتيد. والثانية اسقاط الرئيس في الشارع، وطريقُه إعلان مقاطعته وتشكيل جبهة معارضة واسعة تطلق العصيان المدني والمواجهة المفتوحة، وهو ما لا يستطيعه من يتمسّك بالتحالف مع الرئيس بري المحكوم باستراتيجية الثنائي الشيعي المحلية والإقليمية، ومن دون إعادة الحرارة الى العلاقات مع المختارة صاحبة الوزن المعنوي الكبير، ورأب الشرخ مع معراب لتأمين الغطاء المسيحي.
لذلك فإنّ الدعوة الى أولوية اسقاط الرئيس بلا برنامج حقيقي تختزن مزيجاً من العفوية أو السذاجة السياسية او حرف الأنظار عن القضايا الحقيقية (أليست الاستدعاءات في انفجار المرفأ إحداها؟)، ويمكن ادراجها في اطار “التكتكة” غير المجدية في أقل تقدير.
ثاني فكرة مغلوطة تحمّل البطريرك الماروني مسؤولية تسييج الرئيس بـ”خط أحمر” طائفي. والحقيقة انّ البطريرك قال الكثير الكثير في المنظومة والطبقة الحاكمة، وجهر بما لم يجرؤ على اعلانه أهل الثورة والمعارضة أنفسهم. بارك المنتفضين في عز تحركاتهم بعد 17 تشرين، وأمَّن لهم أرفع غطاء مسيحي ووطني. فليس من العدل والأخلاق تحميله وزر كلام سياسي كان قد تجاوزه بإعلانه ثوابت وطنية تؤيد التغيير الشامل الداخلي، وترسم خريطة إنقاذ الكيان والمجتمع عبر مشروع الحياد والمؤتمر الدولي.
ولنفترض ان سيّد بكركي عارض أي إسقاط للرئيس من خارج السياق الدستوري، فمَن يجبر منتقديه على موافقته الرأي ويفرض عليهم طاعته في هذا الأمر السياسي؟ هذه بعبدا أمامكم فاحزموا أمركم وتوجهوا اليها واسقطوا الرئيس اذا استطعتم، ثم اطلقوا سهامكم على بكركي إن وقفَت في وجه تحرير القصر من ساكنيه.
لا تحتمل الكارثة التي يعيشها الشعب اللبناني مواربة في الطروحات ولا تمويهاً لتغطية العجز او فقدان الارادة في التصويب السياسي الفعلي. نحن في ورطة لا يجوز معها اللعب المذهبي او الانتخابي أو اليساري الطفولي. إسقاط الرئيس أولاً؟ حبذا، لو كان هو الرئيس الفعلي، أو لو نعرف الاسم البديل.