مواطنان بريئان، فارقا الحياة أمس الجمعة بسبب الجوع الذي بات يهدد كل لبناني، حيث وجد اللبنانيون أنفسهم أمام غول الغلاء الفاحش، والضائقة الاقتصادية المرعبة والجوع الذي ألقى بثقله ولم يسلم منه الصغار ولا الكبار.
المواطن الأول هو المدعو «ع.هـ.» من مواليد 1959 والذي أقدم على قتل نفسه بإطلاق النار على رأسه في شارع الحمراء، وقد عثرت بحوزته ورقة مكتوب عليها «أنا مش كافر… بس الجوع كافر» إشارة الى أنّ الإنتحار في الإسلام يعتبر كفراً، يُدْخِل صاحبه النار، لذلك ولكي لا يكون كافراً اتهم الجوع بالكفر.
أما المواطن اللبناني الثاني فهو الذي شنق نفسه في جدرا قرب صيدا جنوب لبنان، معتبراً أنّ الجوع هو سبب قتله. فالمواطنان ركّزا على الجوع الكافر الذي راح يلتهم المواطنين… رسالة هذين المواطنين موجهة الى فخامة رئيس الجمهورية تبلغه ان عهده فاشل. فالعهد الذي يوصل أبناءه الى الجوع يعتبر وبكل بساطة عهداً فاشلاً مهما حاول البعض تزيينه وتجميله والإيحاء بأنّ لا علاقة للعهد بهذه الضائقة الاقتصادية، وبأنّ ما خلفته تركة 30 سنة من أعباء، هي المسؤولة عما آلت إليه الأمور.
تبرير غير صحيح بالمطلق. والدليل ان الإنجازات التي تحققت في عهد المغفور له الرئيس الياس الهراوي مرئية ولا تخفى على أحد، ويكفي ان الشهيد الكبير الرئيس رفيق الحريري وخلال خمس سنوات، أي من عام 1993 ولغاية 1998 حقق الإنجازات التالية:
1- إعادة إعمار القصر الجمهوري في بعبدا بعد تهدمه بفضل عصيان رئيس الحكومة يومذاك ميشال عون، الذي عيّنه الرئيس أمين الجميّل نكاية بالنظام السوري الذي رفض التمديد له. وبعد «اتفاق الطائف» بقي ميشال عون رافضاً تسليم القصر الجمهوري حتى قام الجيش اللبناني بمؤازرة القوات السورية باقتحام القصر الجمهوري. بالمناسبة كان قائد فرقة القوات الخاصة السورية العميد علي ديب وهو الذي دخل القصر بينما هرب القائد ميشال عون كما يقولون بالبيجاما الى السفارة الفرنسية في الحازمية علماً أنه قبل لحظات من هروبه أعلن في ڤيديو خاص انه سيبقى مدافعاً عن قصر بعبدا، وسيكون آخر شخص يترك القصر، وبالفعل كان الأول هرباً، وللتاريخ فإن العميد علي ديب طلب من إيلي حبيقة تسلّم بنات ميشال عون الثلاث وزوجته واعتبرها رد جميل لميشال عون عندما أنقذ إيلي حبيقة وجماعته في المجلس الحربي.
2- إعادة بناء المطار. طبعاً كان هناك الكثير من الإنتقادات، وشعارات الحجر والبشر والبشر قبل الحجر، أما اليوم فقد أصبح المطار صغيراً نسبياً، ولكن هناك إمكانيات لتوسيعه. اننا نقدّر اليوم أعمال ونظرة الرئيس الشهيد، فكم كان بعيد النظر في مشاريعه.
3- إعادة بناء المدينة الرياضية التي أصبحت معلماً من المعالم التي يفتخر بها لبنان.
4- شبكة الطرق والأوتوسترادات، ومنها طريق المطار والأوزاعي وأوتوستراد الجنوب من بيروت الى صيدا وصور.
5- الأوتوستراد العربي الذي يربط صوفر بظهر البيدر، والذي ضربته إسرائيل خلال عدوان 2006.
كل هذه الأعمال كلفت 5 مليارات من الدين ومعها الكهرباء 24/24… لا أريد أن أطيل ولكن يجب أن يتذكر الناس والإنتهاء من اسطوانة: ان العهد الحالي غير مسؤول عن الأوضاع المالية التي وصلنا إليها، وأنّ سببها يعود الى التراكمات السابقة.
نقول لسيّد العهد: إنّ الكهرباء وحدها عندما تسلمها صهرك العزيز، أوصلت الدين الى 47 مليار دولار، أي أكثر من نصف الدين، وأنت وفريق عملك مسؤولون عنها.
إنّ رفض صهرك الصناديق العربية، والأسباب معروفة، لأنّ الصناديق ترفض أن تعطي المال لأي مسؤول، لأنها هي التي تتولى الدفع والتخطيط، بالاشتراك مع الجهة التي تطلب المشروع، وهذا لا يناسب الصهر العزيز، بل يريد أن يأخذ من الخزينة اللبنانية ملياراً ونصف المليار لمشاريع الكهرباء، أي أنه يريد بناء محطة توليد. لكنه لم يولّد شيئاً إلاّ الديون، ولا أحد يعرف كيف صرف المبلغ.
هذا الملف وحده يكفي أن يكون أكبر عنوان للفساد في التاريخ، وسوف يأتي اليوم الذي سيحاسب عليه كل مرتكب مهما طال الزمن ومهما ظن أنه يستطيع الإفلات من العقاب والمحاسبة.
أما ما غرّد به صهرك العزيز بقوله: خلصنا من التسوية يكفي لقد دفعنا ثمنها… كلام جميل فما هو السعر الذي دفعه للتسوية؟ وهنا يجب أن نذكره بأنه حصل على رئاسة الجمهورية التي كانت حلماً وأمنية صعبة التحقيق. وللتاريخ نذكّره أيضاً بأنّ الوطن بقي من دون رئيس لمدة سنتين ونصف السنة، ولأول مرة في تاريخ لبنان ولولا «إتفاق معراب» الذي نعتبره اليوم غلطة العمر، لما كان هذا الحلم ليتحقق، ونقول له إنّه لولا الدكتور سمير جعجع ولولا الرئيس سعد الحريري، لما كان لهذا الحلم أن يتحقق. بالمقابل نبدأ بـ«اتفاق معراب»، الذي أخذ منه الرئيس ميشال عون الرئاسة، ونسي ما جاء في الاتفاق حول مناصفة النواب ومناصفة الوزراء.
أما بالنسبة للرئيس سعد الحريري فإنه مقابل تأييده لانتخاب الرئيس ميشال عون رئيساً، خسر عدداً من النواب لأن البيئة التي ينتمي إليها رفضت أن يكون ميشال عون رئيساً، هذا أولاً.
ثانياً: شكل حكومة مع الصهر العزيز الذي طلب عشرة وزراء، أي ثلث الوزراء، وهذا غير عادل خصوصاً أنه يريد أن يحسب بعض الوزراء من حساب رئيس الجمهورية والبعض الآخر من حساب حزبه.
ثالثاً: ٣ سنوات من القهر والتعذيب استطاع الرئيس الحريري أن يحقق «مؤتمر سيدر» الذي جمع ١١ مليار دولار كمشاريع للبنان، شرط تنفيذ الإصلاحات في الكهرباء، وهي تشكيل مجلس إدارة والهيئة الناظمة. نعود الى القهر والتعذيب، فإنّ كل الذي فعله الصهر، هو الخلاف مع وزراء «القوات»، وجدل من دون الوصول الى أي حل بأي ملف.
أخيراً، سيأتي اليوم الذي سيحاسب فيه من أوصل الدولار من الـ١٥٠٠ الى ١٠.٠٠٠ ولأول مرة في تاريخ لبنان. هذه وصمة عار لا يمكن أن يمحوها أحد، خصوصاً اننا بقينا ٢٧ سنة أي من عام ١٩٩٣ يوم تسلم الشهيد رفيق الحريري الحكم، وعيّـن الاستاذ رياض سلامة حاكماً لمصرف لبنان، ولا لزوم لنذكّر بما فعله ويكفي أنه استطاع أن يثبّت السعر طيلة هذه المدة بالرغم من الحرب الاسرائيلية وتعطيل الدولة عامين ونصف عام لانتخاب رئيس، وتعطيل أي تشكيل لأي حكومة فترة سنة لعيون الصهر.
إنّ التاريخ لا يرحم… وسيأتي اليوم الذي تنكشف الغيوم السوداء عن سماء لبنان ليبزغ فجر الحقيقة التي لن يقوى أحدٌ على طمسها.