يستحق فخامة الرئيس ميشال عون أن يضاف الى الألقاب التي حصل عليها في حياته منذ اليوم الذي دخل فيه الى المدرسة الحربية وتدرّج حتى وصل الى رتبة عماد ثم دولة رئيس حكومة عسكرية بتعيين من رئيس الجمهورية السابق أمين الجميّل عام 1988 نكاية بالسوريين لقب رئيس «التعطيل»، ولا حاجة لتكرار ما فعله في ذلك الوقت من ممارسات لا يتقبلها العقل ولا البطولات عند قوله إنّه «سوف يكسر رأس حافظ الأسد»، وليثبت القول بالفعل فإنه عندما سمع هدير أوّل طائرة «سوخوي» فوق قصر بعبدا هرب بالبيجاما الى السفارة الفرنسية في مار تقلا تاركاً زوجته الست ناديا وبناته الثلاث.
أُبْعِدَ الى فرنسا وأخذ معه 85 مليون دولار، حوّلها الى فرنسا من خلال أربعة بنوك هي: أولاً سوسيته جنرال، وثانياً البنك اللبناني للتجارة، وثالثاً باريبا والرابع البنك اللبناني الفرنسي.
في الحقيقة أرْجَع منها 40 مليون دولار وأبقى معه 45 مليوناً، هذه الأموال هي أموال البنزين والمحروقات والضرائب والرسوم التي كان يحصل عليها ولكن لـ»جيبته» الخاصة، نُذكّر بأنّ لبنان كان مقسماً حينها بين دولتين: دولة في الغربية برئاسة سليم الحص ودولة في الشرقية برئاسة العماد ميشال عون، وكل دولة تحصّل الرسوم وحدها، لكن البنك المركزي، والحمد الله، كان في «الدولة الغربية» ولذلك سَلِمَ من يَدَيْ العماد ميشال عون.
بعد 15 سنة عاد العماد ميشال عون بترتيب من الرئيس السابق اميل لحود الذي أرسل ابنه اميل ومعه مدير المخابرات والاستاذ كريم بقرادوني الى عون… عاد العماد وعاد معه شعاره الوحيد «أنا أو لا أحد» حيث أصبح أنا و(بس) ولا أحد غيري. وصل الى الرئاسة بعدما أبرم اتفاقاً مع قائد «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع الذي اعترف أخيراً بأنه ارتكب غلطة كبيرة لأنّ العماد لم يلتزم بـ»اتفاق معراب» الذي نصّ على تأييد الدكتور جعجع لترشيح العماد عون لرئاسة الجمهورية كبند أوّل، والمناصفة في عدد النواب كبند ثانٍ، والمناصفة أيضاً بعدد الوزراء.. لم ينفّذ إلاّ البند الأول الذي حقق له أمنيته للجلوس على كرسي الرئاسة.
وبالعودة الى ما قاله الدكتور جعجع عن الخطيئة الكبرى، يعني الاتفاق مع العماد عون فإنّ الأخير أخذ ما يريده وتنصّل من باقي الاتفاق، وزاد الدكتور جعجع بالقول إنّ الدافع الأساسي لهذا القرار الخاطئ كان رغبة المسيحيين بأن يروا زعماءهم متفقين مع بعضهم البعض، وإنّ تلك الرغبة كانت ضرورية بعد جولات الحروب التي قام بها العماد عون من خلال الجيش اللبناني على «القوات»، نذكر منها حرب الإلغاء وحرب التحرير. فعلاً لم تشهد المنطقة المسيحية حروباً تشبه الحربين المذكورتين حيث أسفرتا عن هجرة 300 ألف مواطن مسيحي الى خارج لبنان، فكانت أكبر هجرة في مرّة واحدة في تاريخ المسيحيين.
نعود الى موضوع اللقب الذي حصل عليه أخيراً وهو لقب فخامة رئيس التعطيل لنقول:
إنّ ولادة الحكومات في لبنان كانت قبل عودته من المنفى الباريسي تستغرق مدة أقصاها 14 يوماً وأقلها 4 أيام، وهذا ما حصل في لبنان بالنسبة لتشكيل حكومات ما بعد «الطائف»:
■ في ولاية الرئيس الياس الهراوي (1989- 1998) شكلت الحكومات التالية:
– سليم الحص (مدة التأليف 13 يوماً)، واستمرت 13 شهراً، من 25 تشرين الثاني 1989 حتى 24 كانون الاول 1990.
– عمر كرامي (مدة التأليف 4 أيام)، واستمرت 17 شهراً، من 24 كانون الاول حتى 16 أيار 1992.
– رشيد الصلح (مدة التأليف 4 أيام)، واستمرت 5 أشهر، من 16 أيار 1992 حتى 31 تشرين الاول 1992.
– رفيق الحريري، الحكومة الأولى، (مدة التأليف 8 أيام)، واستمرت 31 شهراً، من 31 تشرين الاول 1992 حتى 25 أيار 1995.
– رفيق الحريري، الحكومة الثانية، (مدة التأليف 4 أيام)، واستمرت 18 شهراً، من 25 أيار 1995 حتى 7 تشرين الثاني 1996.
رفيق الحريري، الحكومة الثالثة، (مدة التأليف 14 يوماً)، واستمرت شهراً واحداً، من 24 تشرين الثاني حتى 4 كانون الاول 1998.
■ في ولاية الرئيس إميل لحود (1998- 2007) شكلت ست حكومات، ترأسها:
– سليم الحص (مدة التأليف يومان)، واستمرت 23 شهراً، من 4 كانون الاول 1998 حتى 26 تشرين الاول 2000.
– رفيق الحريري (مدة التأليف 4 أيام)، واستمرت 30 شهراً، من 26 تشرين الاول 2000 حتى 17 نيسان 2003.
– عمر كرامي (مدة التأليف 8 أيام)، واستمرت 4 أشهر، من 26 تشرين الاول 2004 حتى 28 شباط 2005.
– نجيب ميقاتي (مدة التأليف 5 أيام)، استمرت 3 أشهر، من 19 نيسان حتى 19 تموز 2005.
– فؤاد السنيورة (مدة التأليف 20 يوماً)، واستمرت 33 شهراً، من 19 تموز 2005 حتى 25 أيار 2008.
■ في ولاية الرئيس ميشال سليمان (2008- 2014) شكلت ثلاث حكومات، ترأسها:
– فؤاد السنيورة (مدة التأليف 45 يوماً)، واستمرت 16 شهراً، من 11 تموز 2008 حتى 9 تشرين الثاني 2009.
– سعد الحريري (مدة التأليف 135 يوماً)، واستمرت 13 شهراً، من 9 تشرين الثاني 2009 حتى 12 كانون الثاني 2011.
– نجيب ميقاتي (مدة التأليف 140 يوماً)، واستمرت 20 شهراً، من 13 حزيران 2011 حتى 22 آذار 2013.
– تمام سلام (مدة التأليف 315 يوماً)، واستمرت 24 شهراً، من 15 شباط 2014 حتى كانون الاول 2016.
■ في ولاية الرئيس ميشال عون (2016 وحتى اليوم)
– شكل الرئيس سعد الحريري الحكومة الأولى (مدة التأليف 40 يوماً)، واستمرت من 18 كانون الاول 2016 حتى 31 كانون الثاني 2019.
– شكل الرئيس سعد الحريري الحكومة الثانية، واستغرق تأليفها 9 أشهر كاملة، واستمرت من 31 كانون الثاني 2019 حتى 29 تشرين الأول 2019.
وشكل الحكومة الثالثة حسان دياب واستغرق تأليفها شهراً، وتشكلت في 21 كانون الثاني 2020، واستقالت في 10 آب من العام نفسه، وهي مستمرة في تصريف الأعمال حتى اليوم.
الى ذلك تم تكليف مصطفى أديب في 30 آب 2020، واعتذر بعد 13 يوماً.
تم تكليف الحريري في 17 تموز، واعتذر بعد 9 أشهر.
وتم تكليف نجيب ميقاتي في 26 تموز 2021، ولا يزال يحاول تشكيل الحكومة حتى تاريخه.
الجدير ذكره أنّ أكثر من ثلث ولاية الرئيس عون تميّزت بأنها حكومات مستقيلة وتصرّف الأعمال.
خلاصة، لا يترك فخامته مناسبة إلاّ ويطلق وعوده الرنانة ولكنها للأسف من دون أي مفعول، وكي أساعده على حصرها أقول:
أولاً: يردّد في مناسبة ومن دون مناسبة أنه ينتظر التقرير الجنائي ليفضح «المستور» وليقيم الدنيا ويقعدها. وهنا طبعاً أظن أنه يعلم أنّ أي تقرير جنائي بحاجة الى سنوات كي يتحقق من أية مشكلة. ولكن هل له أن يجيب عندما يسأله التقرير الجنائي أن يشرح حقيقة الـ85 مليون دولار التي حُوّلت الى فرنسا من خلال أربعة بنوك وأعاد منها 40 مليوناً فقط، فأين الـ45 مليوناً المتبقية؟
ثانياً: في مناسبة، ومن دون مناسبة يقول إنه سوف يبدأ بتنفيذ خطته بالنسبة للمشاريع التي سوف يقوم بها في البلد. كلام جميل، فخامة رئيس التعطيل، الكلام الذي تقوله في آخر سنة من عهدك لا جدوى منه، لأنّ أي رئيس يأتي الى الحكم ينفذ في بداية عهده لا عندما ينتهي هذا العهد.
ثالثاً: يتحدث أيضاً بمناسبة ومن دون مناسبة، عن الهدر. ونحن نسأل فخامته: ماذا عن هدر الـ65 مليار دولار، بواسطة صهره العزيز في مجال الكهرباء؟
رابعاً: طالما نتحدث عن الهدر في تشكيل الحكومات، هل لنا أن نسأل فخامة «رئيس التعطيل»، عندما تقدّم له لائحة بأسماء وزراء مع الوزارات التي «يُـمسكونها» فيقول إنها ليست دستورية وليست ميثاقية؟ وهنا نقول لفخامة رئيس التعطيل: نتحداك أن تذكر لنا حكومة واحدة من الحكومات التي عُرضت عليك لنرى فقدان الميثاقية فيها، وليتبيّـن لنا عدم دستوريتها.
بانتظار جوابكم الكريم نتمنى لكم دوام الصحة والعافية…