لدى تأليف حكومة الرئيس حسان دياب طُرح السؤال عمّا إذا كانت ستنقذ عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، بعد النكسات التي مُني منها، جرّاء انفجار الأزمة، وتفجُّر الغضب الشعبي في 17 تشرين الأول 2019، وما تبع ذلك من تدحرج على المستويات كافةً. إلّا أنّ عهد عون شهد انتكاسة إضافية مع حكومة دياب التي لم تتمكّن من معالجة أيّ من المشكلات أو من العمل والإنجاز، وأخذت الأوضاع تتّجه الى التأزم أكثر والى حافة الانهيار. الآن، مع تأليف حكومة الرئيس نجيب ميقاتي، يُطرح السؤال مجدداً: هل ستنقذ حكومة «معاً للإنقاذ» ما تبقّى من عهد عون، خصوصاً أنّه يعوّل عليها لكي تكون السنة الأخيرة من ولايته «سنة الإصلاحات الحقيقية»؟
الجهات السياسية المعارضة ترى أنّ حكومة ميقاتي لن تتمكّن من العمل لأنّها وليدة المنظومة نفسها التي أوصلت البلد الى هذا الدرك، ولأنّ «حزب الله» ورئيس «التيار الوطني الحرّ» يتحكّمان بقرارها. في المقابل، هناك وجهة نظر أخرى تقول إنّ هذه الحكومة ليس أمامها إلّا العمل، بمعزل عمّا إذا كانت مرجعياتها راغبة في الإصلاح أم أنّ لديها أهدافاً أخرى، وذلك لأنّه لم يعد هناك من خيارات أخرى أمامها، فالبلد بات في الحضيض وإذا لم يُنتشل من القعر سيكون المصير السياسي لكلّ قوى المنظومة القعر أيضاً، فيما أنّ أي خطوة إصلاحية ستصبّ في مصلحة هذه القوى قبيل الانتخابات النيابية المقبلة، إذ إنّ غالبية الأحزاب تشهد تعثراً ونقمة شعبية. كذلك، مثما وُلدت هذه الحكومة بـ»رعاية دولية» سيكون سير عملها أيضاً تحت المراقبة، فالمطلوب من الخارج لم يكن «التأليف للتأليف» بل ولادة حكومة تجري الإصلاحات التي تكون كفيلة بتأمين دعم مالي جدّي دولي لوضع لبنان على سكة النهوض ومنعه من الانهيار وصولاً الى «الزوال» بصيغته الحالية، لأنّ أجندة الخارج، وخصوصاً الغرب، تفرض الآن عدم انهيار لبنان لتداعيات هذا الانهيار على الدول المحيطة وإسرائيل وأوروبا.
فضلاً عن ذلك، تقول وجهة النظر هذه إنّ عون سيسهّل عمل الحكومة، فهي قد تكون آخر حكومة في عهده. فعلى رغم أنّه يُفترض أن تؤلّف حكومة جديدة بعد الانتخابات النيابية المقبلة، لكن أحداً لا يمكنه حسم هذا الأمر، فكثير من الحكومات تطلّب تأليفها أكثر من 5 أشهر، وقد لا يتفق الأفرقاء على التكليف أو التأليف، فضلاً عن أن بعد الانتخابات النيابية يتبقّى 5 أشهر لانتهاء ولاية عون، وقد «لا يحرز» تأليف حكومة لـ5 أشهر لأنّها تُعتبر مستقيلة حكماً عند انتهاء ولاية الرئيس وتؤلّف غيرها بعد انتخاب رئيس جمهورية جديد.
وانطلاقاً من الضغط الخارجي الذي أدّى الى توليد الحكومة، تعوّل مصادر معنيّة على الضغط نفسه لإنجاز الإصلاحات المطلوبة. وبحسبها، إنّ كلّ العوامل مجتمعة ساهمت في التأليف، من الضغط الخارجي الى الوضع الداخلي المزري، وعدم القدرة على الخروج بحلول عملية مع حكومة دياب إضافةً الى المناخ الإقليمي. لذلك إنّ «أولياء» الحكومة متعدّدي الجنسية و»الكلّ بَلّ إيدو بالحكومة» وفق ما تقول المصادر نفسها، فالفرنسيون ضغطوا كثيراً لولادتها وتابعوا هذه العملية على مدار الساعة. وكان اتصال الرئيس الفرنسي بالرئيس الايراني من أبرز عوامل الدفع الى التأليف، لأنّ لـ»حزب الله» وجوداً كبيراً في البلد ولديه حلفاؤه الذين «يَمون» عليهم، وبالتالي يتمتّع بدور في توزيع الادوار والتركيبة الحكومية ويساعد كثيراً في تذليل العقبات. إنطلاقاً من ذلك، إضافةً الى المناخ الشيعي الرافض أي مشكلات وفراغ وتدهور لأنّ اللبنانيين يحمّلون «الحزب» مسؤولية كلّ ما يحصل، عمل «الحزب» على 3 خطوط في اتجاه: رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي له دور أساس في التسهيل أو في التعقيد، وميقاتي، وباسيل. كذلك انطلاقاً من اعتماد جميع المعنيين التسهيل قَبِل عون بيوسف الخليل وزيراً للمال.
ومثلما هناك «سياسة العصا» هناك «سياسة الجزرة» أيضاً، وفي حين بدأ الأوروبيون يعدّون عدة العقوبات على كلّ من سيعرقل عمل الحكومة، إلّا أنّهم وعلى رأسهم الفرنسيون الى جانب الأميركيين قطعوا وعوداً لكلّ من عون وميقاتي بأنّ المفاوضات مع صندوق النقد الدولي لن تأخذ وقتاً طويلاً، وبالتالي إنّ الدعم سيكون سريعاً فور المباشرة بالاصلاحات المطلوبة. وتقول مصادر مطّلعة: «كانوا يترجّونا لنؤلّف حكومة».
على ضفة السلطة، تقول مصادر :»هناك رغبة لدى الأفرقاء ونية بأن يعملوا، لكن الكلام شيء والقدرة شيء والفعل شيء»، آملةً في أن «تتوافر للوزراء الجدد ظروف لكي يتمكنوا من العمل وأن «يكونوا خَرْج»، خصوصاً أنّ تركيبة البلد لم تساعد في تطبيق معيار الاختصاص على الوزارات كلّها». أمّا بالنسبة الى رئيس الجمهورية، فيرى البعض أنّه «الرابح الأكبر» في هذه الحكومة وأنّه حصل على الثلث المعطّل و»حبّة مسك»، فيما يرى آخرون عكس ذلك، ومنهم رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع. وبحسب مصادر قريبة من عون، إنّ الرئيس لم يتحدث أو يطالب بالثلث المعطّل أو الضامن، وهو يريد الحكومة فريق عمل واحد، وهذا ما أوصى الوزراء به.
وعن ضمان عون في هذه الحكومة لعدم إمرار أي قرار يرفضه أو عرقلة إجراء يُطالب به، ترى هذه المصادر أنه «لا يوجد ما يختلف الوزراء عليه، كذلك إنّ الرئيس ميقاتي «شاطر» في تدوير الزوايا عند الضرورة وما بينخاف عليه». وتشير الى أنّ «الرئيس متفاهم مع ميقاتي مبدئياً على الخطوط العريضة كلّها، وأهمّها التدقيق الجنائي والاصلاحات ومكافحة الفساد، وبالتالي لا مواضيع خلافية كذلك لا خلافات حول القضايا الاستراتيجية».
وإذ تقرّ المصادر إيّاها بأنّ عون «قد لا يتمكّن من أن يعوّض خسارة السنوات الثلاث الماضية في سنة واحدة»، تؤكد أنّه «سيبذل جهده وينوي أن تتحقّق الاصلاحات المطلوبة هذه السنة». وتجزم في أنّ «احتمال التمديد أو التجديد لعون في رئاسة الجمهورية غير وارد لديه وليس موضع بحث».
ومن الاستحقاقات التي يحرص عون على تحقيقها، إجراء الانتخابات النيابية المقبلة في موعدها في ربيع 2022. من جهتهم، يؤكد جميع الأفرقاء السياسيين أنّهم مع إجراء الانتخابات، وأحد لا يجرؤ على المجاهرة بعكس ذلك، لأنّ المجتمع الدولي «عينه مفتوحة علينا»، بحسب ما تقول مصادر مطّلعة، وتشير الى أنه «لولا الضغط الدولي لما ألّفت هذه الحكومة، والأمر نفسه سيسري على الانتخابات».