IMLebanon

لا ثقة بوعود عون والدول تفضّل بوضوح التعاطي مع الحكومة الجديدة

 

رئيس الجمهورية يعد الناس بتحسن الأحوال وباسيل يضع العصي بالدواليب.

 

 

وعد رئيس الجمهورية ميشال عون اللبنانيين منذ ايام، بتحسن الاحوال بعد تشكيل الحكومة الجديدة، وبشّرهم، بأن السنة الاخيرة من عهده، ستشهد اعادة الاعمار والخروج من الازمة الحالية.

 

بالطبع، يحبذ الناس ويتوقون، الى ان تحمل الأيام المقبلة، تباشير حلحلة الامور وتخفيف ضغوطات المشاكل الاقتصادية والمعيشية والاجتماعية التي يعانون منها، منذ سنتين، وتتحسن الاوضاع نحو الاحسن.

 

ولكن، لم يعد يكفي، ان يطلق رئيس الجمهورية، دفعة محدثة، من الشعارات البراقة، والوعود الطنانة، في آخر أيام عهده، ليصدقها الناس، هذه المرة، بعدما كان وعدهم بالكثير منها من قبل، ولم يحقق، أياً منها، بل، فعل عكس ما وعد به، وزادت الأوضاع سوءا، الى ان غرق البلد بالازمة الكارثية الحالية.

 

فاذا كان رئيس الجمهورية، جاداً بوعوده الجديدة، ويهمه بالفعل، حل الأزمة خلال ما تبقى من ولايته، لا بد أن يأخذ بعين الاعتبار، الاخطاء، التي سادت اداءه السياسي، بالسنوات الخمس الماضية، واوصلت لبنان، الى ما هو عليه من وضع مأساوي، وأن يغيّر اداءه وممارساته، ويقدم كل، ما يصبّ بمصلحة المواطنين وخروج البلد من ازمته، على مصالحه السياسية والشخصية، حتى يقتنع الناس ويصدقوا وعوده الجديدة.

 

دقت ساعة الحقيقة ولم يعد بالإمكان هدر مزيد من الوقت والتلهي بالعبارات الجوفاء

 

ولكن، حتى تبيان، كيفية تعاطي عون مع الحكومة في المرحلة المقبلة، للتحقق من مدى التزامه بوعوده الجديدة، لا تبدو مؤشرات ووقائع الايام الماضية، مشجعة، بل تبعث على الاعتقاد، باستمراره على نهجه المعتاد، بتجاوز الدستور، والجنوح للتفرد بالسلطة.

 

ولذلك، لم يعد ينفع سيناريو العهد القديم الجديد، في استمالة اللبنانيين الى جانبه، وغسل عقولهم وقلوبهم الموجوعة، بهذه الأساليب الجوفاء، مهما تفنّن الفريق الرئاسي، في تزيين الوعود والشعارات المستحدثة، بالعبارات البراقة، بعدما سمعوا منها الكثير خلال السنوات الخمس الماضية، وبقيت حبرا على ورق، ولم يلمسوا منها، الا النتائج العكسية، والتخريب المبرمج للمؤسسات، والنهب المنظم للمال العام، ولاسيما بالوزارات، التي تولى إدارتها والإشراف عليها، وزراء وموظفون، ينتمون لرئيس الجمهورية وتياره، والكهرباء وعتمتها، بكل ارجاء لبنان، اكبر عنوان لها.

 

لم يقدم رئيس الجمهورية، مثالاً واحدا ناجحا، او واعداً، ليقنع الناس، بامكانية تغيير نهجه، وتقديم المصلحة اللبنانية العامة، على مصالحه الخاصة، ومصالح ولي عهده النائب جبران باسيل الشخصية.

 

كيف يقنع رئيس الجمهورية اللبنانيين، بأن سنة العهد الاخيرة، ستكون مختلفة عن السنوات السابقة، وينفذ بالفعل، مهمة الانقاذ الموعودة، مع تأليف الحكومة الجديدة، التي عاند، ووضع كل العراقيل والعوائق الممكنة، لتعطيل تشكيلها، بشتى الحجج والذرائع الباطلة، لينعم مع ولي عهده، بإطالة مرحلة الفراغ الحكومي، وصولا الى حلم التمديد الرئاسي، ووافق عليها مع حليفه، حزب الله مجبرا، بقرار اميركي، وبعد اتصال الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مع الرئيس الايراني الجديد؟

 

لم تعد تنفع اي محاولة بهلوانية، لاعادة تلميع صورة الرئاسة، المشوهة، بالفشل والفساد، والغش، والضحك على الناس، والهيمنة على المؤسسات العامة، لاعادة تعويم العهد من جديد. صورة الرئاسة كلها، باتت ملطخة، بكمٍّ هائل من الارتكابات والخطايا على انواعها. كلها مزروعة في اذهان الناس وحياتهم اليومية.

 

تعطيل مهمة رئيسين، مكلفين بتشكيل الحكومة، السفير مصطفى اديب وسعد الحريري، بالتماهي مع حزب الله، استنزفت اكثر من عام، من حياة اللبنانيين، وأهدرت، فرصة نادرة ووقتا طويلا، لمنع انحدار البلد نحو الانهيار الحاصل، والمباشرة بحل الازمة الضاغطة، والتخفيف من معاناة الناس واذلالهم. كل ذلك، للوصول إلى مكاسب خاصة، وبسط الهيمنة على الدولة، وتحقيق المصالح الايرانية على حساب لبنان.

 

منذ ايام، بلع العهد لسانه، والتزم الصمت المطبق على استباحة ايران وسوريا، لسيادة الدولة الحدودية، بعبور صهاريج المازوت الإيراني قسرا، من خلال المعابر غير الشرعية، وخارج الاطر القانونية، متجاهلا قسمه الدستوري، بالحفاظ على الدستور والسيادة ووحدة الأراضي اللبنانية. لم يعلن موقفا، او يتحرك، ضد التهديد العلني للمحقق العدلي بتفجير مرفأ بيروت، لمنعه من إكمال مهمته بالكشف عن المسؤولين عن هذا التفجيرالذي دمر العاصمة، وكأنه غير معني، وليس رئيساً للجمهورية. مراكمة الاستياء العام من ممارسات العهد، في الايام المتبقية، من سنته الاخيرة، حافلة بشتى الخطايا والارتكابات.

 

وفي الوقت نفسه، يمعن رئيس الجمهورية، بممارساته اللادستورية، وتشكيكه بعمل الحكومة الجديدة منذ بداية انطلاقتها، والالتفاف عليها مباشرة، او مواربة من خلال ولي عهده، لتفخيخ مساعيها وجهودها، لاعاقة مهمتها بعملية الانقاذ الصعبة والمعقدة، والاصرار دوما على الظهور، بمظهر الحاكم الاوحد للدولة، متجاوزا صلاحياته الدستورية، وكأنه مايزال، يدير الدولة بمفرده، كما كان يفعل، ايام كانت حكومة الرئيس حسان دياب في مرحلة الاستقالة وتصريف الأعمال.

 

لم يقتنع، رئيس الجمهورية بعد، بأن إيهام الناس بالانقاذ وتحسن الاحوال، لا يستقيم اطلاقا مع الامعان بنهج الاستئثار والعرقلة. لا يريد أن يعترف عون، بأنه منذ توقيعه على مراسيم تشكيل الحكومة الجديدة، لم يعد باستطاعته تجاوز الحكومة العتيدة، مهما تسلح، باجتهادات دستورية عبثية، تُدّبج غُب الطلب، وتستند بمرتكزاتها الى نوازغ مرضية للهيمنة حينا، والى غرائز طائفية مقيتة احيانا اخرى، وهي، لا تحسّن آلية ادارة السلطة، او تعيد، انتظام الواقع السياسي الى الافضل، وانما تزيد من تدهور أمور الدولة، وعرقلة مسار الحكومة، وانحدار الرئاسة، الى أسوأ درك ممكن.

 

يتجاهل رئيس الجمهورية، او يكابر، بأن سلوكياته وممارساته، وولي عهده النائب جبران باسيل، طوال السنوات الخمس الماضية، تركت آثارها السلبية وتداعياتها السيئة، على سمعة العهد بالداخل والخارج معا، وقلصت ثقة اللبنانيين به، وثقة العرب عموما، حتى الحضيض، وباعدت لبنان عن محيطه وأصدقائه، وباتت اي محاولة لاعادة هذه الثقة، مستحيلة، ومحكومة بالفشل مسبقاً مهما استعانت الرئاسة، بآخر مستحدثات التوبة والندم بعدما، تم ضرب عون عرض الحائط، بكل اواصر الاخوة، والتزم علناً، بالانحياز لسياسة المحور الايراني المعادي للعرب.

 

لا يريد رئيس الجمهورية، الاعتراف، بأن الدول كلها، لم تعد تثق به وبعهده ولا ترغب بالتواصل معه، الا من باب اللياقات السياسية والديبلوماسية وليس اكثر من ذلك. وباتت تفضّل التعاطي مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والمسؤولين الاخرين، بعدما جربت اكثر من مرة، في السابق، التعاون معه، طوال السنوات الماضية، لاجراء الإصلاحات المطلوبة وتسهيل تقديم المساعدات المرصودة من خلال مؤتمر «سيدر»، الذي تولى رعايته والتحضير له، الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، بالتعاون مع حكومة الرئيس سعد الحريري في العام ٢٠١٧، تحت عنوان مساعدة لبنان والنهوص باقتصاده المنهك، وحقق مساهمات بما يقارب اثنتي عشر مليار دولار، وتعطل تنفيذه، بسبب رفض رئيس الجمهورية، وولي عهده، تنفيذ الاصلاحات المطلوبة، ولاسيما بالكهرباء. ولم تقابل، الدول الداعمة للمؤتمر، وعلى رأسها فرنسا، الا، بالتكاذب وبالعرقلة، لكل محاولات الاصلاح وانقاذ الدولة من جموح السيطرة والفساد المستشري.

 

الان، دقت ساعة الحقيقة، والعهد اصبح في أيامه الاخيرة، ولم يعد بالامكان هدر مزيد من الوقت، للتلهي، بالتعابير الجوفاء، واوهام التحدي والاستفزاز الفارغة. كل هذه الممارسات، باعدت بين الرئاسة والآخرين، وزادت في تاجيج الخصومات، وتفريخ الازمات والمشاكل، بدل تحقيق التقارب والالتفاف حول العهد للخروج من دوامة الانهيار.