من زمن بعيد، لم أضحك كما ضحكت عندما قرأت ما قاله فخامة رئيس الجمهورية ميشال عون بأنه لَنْ يُسَلّمَ الرئاسة الى فراغ… وقلت لنفسي: فعلاً فخامته يتمتع بروح عالية من المسؤولية… ولكن وكي نفهم هذا الرجل فما علينا إلاّ العودة الى تاريخه السياسي.
ويمكن أن نبدأ باللحظة التي أعلن فيها أنه سيكسّر رأس حافظ الأسد، وكان ذلك في صيف عام 1989، يوم حادثة «البوسطة» التي كانت تنقل طلاب إحدى المدارس، فتعرّضت عند الساعة السابعة إلاّ ربعاً صباحاً لقذيفة مدفعية من المنطقة الشرقية، أحرقت «البوسطة» وقتل وجرح عدد من التلاميذ الذين كانوا في داخلها.
طبعاً كان هناك رد من المنطقة الغربية على المنطقة الشرقية، فقصف القَصْر الجمهوري وقصفت وزارة الدفاع في اليرزة وتحديداً قُصِفَ مكتب قائد الجيش في ذلك الوقت العماد ميشال عون الذي كان الرئيس أمين الجميّل قد عيّنه قبل ساعتين من نهاية الولاية رئيساً لحكومة عسكرية، مهمتها أن تحضّر البلاد لانتخاب رئيس جديد للجمهورية. استقال الضباط المسلمون وبقِيَ المسيحيون. وهنا يمكن أن نتصوّر أنه حتى لو استقال الضباط المسيحيون فإنّ الجنرال عون بعد أن جلس على كرسي الرئاسة في قصر بعبدا، كان سيبقى جالساً على الكرسي غير آبهٍ بما يجري حوله.. وبالعودة الى ما قلناه تفقّد الجنرال عون وزارة الدفاع، وعندما رأى مكتبه مُدَمّراً قال يومذاك: إنّه سوف يكسّر رأس حافظ الأسد رحمه الله.
فعلاً، وقبل ساعات من هجوم الجيش اللبناني والجيش السوري على قصر بعبدا لإنهاء حالة التمرّد، التي كان يمثلها الجنرال ميشال عون برفضه الخروج من قصر بعبدا، بالرغم من كل الاتصالات والمفاوضات والعروض التي عُرضت عليه… قائلاً: إنه سيكون آخر عسكري يترك أرض المعركة.
فعلاً… وانسجاماً مع صدقية أقواله كان أوّل عسكري يترك أرض المعركة هارباً بالبيجاما، الى السفارة الفرنسية في مار تقلا تاركاً جنوده وضباطه يلاقون مصير الموت وبلغ عددهم 700 قتيل أثناء القتال بالإضافة الى 240 سجيناً اعدموا ميدانياً..
هذا الرجل يقول شيئاً ويفعل عكسه… فبعد أن هدّد الرئيس الراحل حافظ الأسد بتكسير رأسه، ذهب الى الشام وقبّل يد ابنه طالباً منه المغفرة كي يبقى رئيساً في بعبدا، وأخذ معه زوجته ليعطي الموضوع نوعاً من الصدقية.
في المرة الثالثة، أقدم على توقيع «اتفاق معراب»، مع د. سمير جعجع قائد «القوات اللبنانية»، الذي نصّ على وصوله الى موقع الرئاسة مقابل تقسيم الوزراء والنواب، مناصفة.. ولكن في الحقيقة أخذ «كرسي الرئاسة» وهرب من الاتفاق كما هي العادة.
أما قوله في حديثه الأخير، إنه لن يترك لبنان في الفراغ، فإننا نقول له: فخامة الرئيس تستطيع أن تنام مرتاحاً لأنك كنت أسوأ رئيس جمهورية في تاريخ لبنان منذ الاستقلال، بدءاً بالرئيس بشارة الخوري الى الرئيس كميل شمعون الى الرئيس فؤاد شهاب الى الرئيس شارل الحلو الى الرئيس سليمان فرنجية الى الرئيس أمين الجميّل الى الرئيس اميل لحود الى الرئيس ميشال سليمان. لقد تغلبت على الجميع، لأنك استطعت أن تحقق أمنية إسرائيل التاريخية، ألا وهي القضاء على لبنان، اقتصادياً ومالياً وسياحياً وسياسياً… أنت أخذت لبنان واللبنانيين الى جهنم…
فالسؤال إلى أين تريد أن تأخذنا بعد؟ هل هناك مكان أسوأ من جهنم؟
أخيراً، إذا كنت تظن أنك لا تزال تملك بيدك أية سلطة، فأقول لك بصراحة: إنّ وضعك على جميع الأصعدة لا يساعدك، حتى في أصغر الأمور… في النهاية هذه سُنّة الحياة…