أن يقول الرئيس ميشال عون إن وزير الإعلام جورج قرداحي الذي سبّب كلامه المشكلة مع دول الخليج، “مواطن عادي”، لم يمر من دون تعليقات لاذعة على مواقع التواصل الاجتماعي، بل أكثر من لاذعة على فقرات أخرى في مقابلتين صحفية وتلفزيونية أجراهما رئيس الجمهورية.
نسي أن يعتبر صهره جبران باسيل مواطناً عادياً حين كان وزيراً للخارجية ورفض باسم الدولة اللبنانية إدانة الاعتداءات على السعودية. نسي وصف الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله على أنه “مواطن عادي” يقوم بحملاته المتصاعدة على المملكة لا سيما منذ العام 2015 ، بل اكتفى بملاحظة أنه يمثل ثلث الشعب اللبناني، و”لم يصدر عنه أي خلل” في شأن القرار الدولي 1701، متناسياً تقارير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش النصف سنوية، عن خروقات القرار الدولي واستمرار السلاح خارج إطار السلطات الشرعية. حالة الإنكار التي يتقنها رئيس الجمهورية حفلت بها المقابلتان، فضلاً عن التناقض، لا سيما حين قال إنه “لم يُطلب شيء من الدولة اللبنانية للقيام به تجاه حزب الله”، متجاهلاً قول وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود في اليوم التالي لانفجار الأزمة مع الرياض ان القضية تتجاوز قرداحي إلى هيمنة “الحزب” على القرار السياسي في لبنان… مكرراً ذلك في تصريحات عدة…
عارض عون التمديد له، وفي الوقت نفسه ترك الأمر لمجلس النواب، فإذا قرر ذلك يبقى. هو لا يعمل ليخلفه جبران باسيل لكنه لفت إلى أنه لن ينزعج إذا انتخب رئيساً من بعده.
هل الرئيس مرتبك، أم أنه يوزع المواقف وفق حسابات الربح والخسارة، بين تبرئة “حزب الله” من أزمات البلد مع الخارج وهي المسألة “الاستراتيجية” بالنسبة إلى “الحزب”، فإذا بقي الأخير على سطوته في السلطة يكون باعه التضامن معه أملاً بالمقابل، وبين التمايز عنه في الموقف من القضاء والتحقيق في جريمة انفجار مرفأ بيروت، حيث يضطر لمراعاة الحساسية المسيحية حيال هذه الكارثة، ويضطر لإظهار التزامه بمواصلة التحقيق وعدم “قبع” القاضي طارق البيطار، مراعاة للموقف الدولي المتشدد في استكمال المحقق العدلي عمله، لعل الانسجام مع ما تطلبه الدول الكبرى تقابله جائزة ترضية له وللصهر؟
قد يكون التناقض في المواقف زلات لسان، لكن الفريق الرئاسي العوني يتأرجح بين الخيارات التي عليه اتخاذ القرار في شأنها. فهو أصبح أسيراً لتحالفه مع “الحزب” بعدما دفع ثمناً كبيراً له منذ تصاعدت النقمة عليه مسيحياً وضربه الحصار الخارجي، فلم يعد أمامه سوى الإمعان في الالتصاق به لعل خياره ينتصر على الصعيد الإقليمي فيشاركه ثمار “الانتصارات”، لكنه يسعى إلى حجز مقعد له في حال عاكست الأمور على الصعيدين الدولي والإقليمي استمرار هيمنة “الحزب” حتى لا يشاركه تداعيات الضغوط ليرخي قبضته على البلد، فيتوعد باسيل أمام جمهوره بأن تياره أول من سيقف في وجه الاحتلال الإيراني، بعد أن يكون نفى وجود هذا الاحتلال.
هل يستشعر الفريق العوني أنه يستحيل تسليم البلد للنفوذ الإيراني، لأن طريقة إدارة الأمور من قبل “الحزب” في المرحلة السابقة أدت إلى انهياره، لكنه يحجم عن إظهار هذا الشعور لأنه يحتاج إلى التحالف مع “الحزب” انتخابياً، إذا جرت الانتخابات، ولا يجرؤ عن التمايز عنه إذا اضطر لسلوك طريق تأجيل الانتخابات؟
على الأرجح أن ارتباك الفريق العوني مهما كانت زلات اللسان، ناجم أيضاً عن ارتباك حليفه الرئيسي والذي خضع طوال السنوات الماضية منذ العام 2006 لإرادته ولم يرفض له طلباً وشاركه المناورات. فـ”الحزب” نفسه مربك أيضاً أمام اتساع رقعة الشرائح الشعبية اللبنانية والمسيحية خصوصاً، المعارضة لرهنه لبنان للإقليم ولمشاريع إيران.
يكفي تساؤل البطريرك الماروني بشارة الراعي الأحد الماضي، بأي صفة يتحدث نصرالله، … وأين مجلس النواب وأين رئيس الجمهورية؟ فقد غادر كثر قاعدة مراعاة سطوة “الحزب” وقوته.