IMLebanon

عَون بين «فَراغَين»… هل يُسلِّم حكومة تصريف أعمال؟

 

يرتبط إسم الرئيس ميشال عون بمرحلة بالغة الدقة من التاريخ اللبناني شكلت أحداثها، من دون قصد «العماد» في تلك الفترة من الثمانينيات، إرهاصات الحل – التسوية الذي تمثل بإتفاق الطائف.

 

تتشابه ظروف ذلك الخريف من العام 1988، دوليا وإقليميا، في بعض عواملها، مع الظروف الحالية، وتفترق في بعضها الآخر، لكنها تتقاطع على أن احتمال الفراغ الدستوري في رئاسة الجمهورية شكل الجامع المشترك بين ذاك الماضي والمستقبل القريب غامض الملامح.

 

واللافت في الأمر ان المخرج الدستوري الذي اتاح لعون تسلم رئاسة الحكومة العسكرية قبل دقائق من حلول منتصف ليل 23 أيلول 1988، لم يكن سوى «التخريجة» التي صاغت المأزق الدستوري حينذاك في نهاية عهد الرئيس أمين الجميل الذي ردد كثيرون وخاصة اخصامه نيته التمديد لنفسه ودفعه الامور الى الاقتراب من الفراغ حتى يتسنى له ذلك التمديد.

 

لم يكن لبنان في ذلك الحين قد خبر التمديد لرئيس الجمهورية سوى مرة واحدة مع الرئيس التاريخي والأول لعهد الاستقلال بشارة الخوري والذي فشل في اكمال ولايته نتيجة المعارضة الداخلية والشعبية الكبيرة له بعد ثلاث سنوات من ولايته الممدة في العام 1952.

 

لكن محاولة الجميل التي اتُهم فيها، سبقت تمديدين قصريين بفعل الامر الواقع السوري مع الرئيسين الياس الهراوي في العام 1995 وإميل لحود في العام 2004. لكن الجميل اضطُر الى تسليم خصمه قائد الجيش الذي لم يكن يكن له الود الشخصي أو التقارب السياسي، العام 88 رئاسة الحكومة العسكرية بعد فشل اقناع كل الاسماء المدنية لحكومة مدنية سواء لرفض شخصي من تلك الاسماء او بسبب معارضة الشق المسلم من البلاد التي كانت مقسمة بين مناطق شرقية مسيحية وأخرى غربية مسلمة.

 

والحال ان هذا الرفض كان يحمل في طياته خشية من عدم التمكن من الانجاز وايجاد تسوية للحرب الاهلية التي كانت ما زالت مندلعة حينها منذ العام 1975.. فكان الحل على مضض في تسليم الجنرال عون زمام الامور، لكن ليس لأمد طويل بل لتمهيد الامور لانتخاب رئيس للجمهورية بعد ان تلا ذلك فشل انتخاب رئيس جديد مع اقتراب ولاية الجميل منذ انتخابه العام 1982 خلفا لشقيقه بشير الذي اغتيل قبلها بأيام، من الانتهاء.

 

الدستوري يتراجع للسياسي

 

ويبدو من قدر لبنان ان يتراجع العامل الدستوري دوما لصالح ذلك السياسي. فقبل عامين تقريبا من كتابة الحرب اللبنانية لآخر فصولها، كان واضحا ان التقاطع الدولي – الإقليمي لم يكن لصالح عون.

 

وحينها راجت مقولة شهيرة للمبعوث الاميركي ريتشارد مورفي بعد عودته من دمشق على اثر لقائه الرئيس حافظ الأسد: إما (النائب مخايل) الضاهر أو الفوضى. لم يلتقط القادة المسيحيون تلك الرسالة، لا سيما عون في العام الذي تلا وشنّه «حرب التحرير» على الوجود السوري. وبذلك شكلت الولايات المتحدة الاميركية رأس الحربة في معارضته كما يردد بعض من جايل تلك الحقبة، بما تخطى المعارضة السورية له وما شكل الغطاء والضوء الأخضر لإطاحته في 13 تشرين الأول من العام 1990، وكان ذلك الثمن الذي حصلت عليه دمشق لحلفها مع واشنطن ضمن التحالف الدولي العربي لضرب النظام العراقي في العام 1991 بعد غزوه الكويت في العام 1990.

 

محاولة تعديل الطائف

 

في كل الاحوال دفع «العماد» الثمن غاليا لفقدانه الشرعية الدولية وحتى العربية وحتى الفاتيكانية، وشرع، بعد منفى لـ 14 عاماً وعودته المظفرة في العام 2005 بعد الانسحاب السوري، في محاولة تعديل الطائف قدر الامكان، عرفاً إن لم يكن دستورياً. وشكل ذلك سمة عهده الرئاسي منذ العام 2016، وساعده بذلك الكثير من الثغرات التي شابت الاتفاق نفسه الذي وضعه صائغوه على عجل لإنهاء الدم المسال بغزارة بين اللبنانيين.

 

واليوم مع حديث الرئيس عون، متعدد الأوجه والتفسيرات، حول عدم تسليمه السلطة الى الفراغ أو حتى التمديد لولايته في حال اراد المجلس النيابي ذلك، يتراجع ايضا العامل الدستوري لصالح السياسي وما ستجلبه التطورات، مع إصرار مناصريه على عدم نيّته خرق الدستور وجديّته في مغادرة قصر بعبدا في الموعد الدستوري.

 

وفي مقارنة بين فراغين، سابق في 88 ومستقبلي محتمل في 2022، فإن افتقاد الدعم الاميركي للتمديد بات مسلما به، لا بل باتت واشنطن اكثر شراسة في رفض الخيار العوني، استمرارا في السلطة او تزكية لخلفه في رئاسة «التيار الوطني الحر» جبران باسيل. وبالنسبة الى دمشق، فإن دورها الرئيسي سابقا لا يشابهه حاليا لصالح الدور الإيراني الهائل في السنوات الأخيرة والمؤيد لعون من دون حسم الاسم المفضل للرئاسة. كما ان الخيار العوني يفتقر الى الدعم الخارجي الدولي والاوروبي وحتى الفرنسي المتعاطف تاريخيا مع الحالة العونية، ناهيك عن العامل الخليجي الرافض، حتى اللحظة، لهذا الخيار.

 

ويبدو ان العنوان الدستوري سيتمحور حول سيناريوهات متعددة، من بينهم، مع التسليم في اجراء الانتخابات النيابية العام المقبل كما يؤكد الجميع بمن فيهم رئيس الجمهورية نفسه، الشغور في السلطة الاجرائية.

 

فبعد الانتخابات قد لا يتمكن المعنيون من تشكيل حكومة جديدة قبل مهلة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وذلك بعد استقالة الحكومة الحالية التي تصبح مُصرفة للأعمال لا تملك ان تحكم، ومن نافل القول إن من غير الممكن تعيين حكومة مدنية كانت ام عسكرية كما فعل الجميل مع عون في مرحلة ما قبل الطائف.

 

بهذا العنوان يتخذ انصار عون ذريعتهم الدستورية لعدم التسليم، وهو احتمال في كل الاحوال وليس قدراً، إلا أنه مطروح. لكن الاهم يبقى في عوامل اللحظات الاخيرة التي سمت انتخابات الرئاسة دوما في لبنان، والتقاطعات الدولية مع الجهات النفاذة في الاقليم، وفي اطار ذلك يمكن افتراض شغور في رأس السلطة الاجرائية أي رئاسة الجمهورية نتيجة صعوبة الاتفاق على بديل. والأمر لا يقتصر على عوامل ما وراء الحدود اللبنانية، بل ايضا، وهذا الاهم، على صراع القادة الموارنة الذي سيعقد انتخاب رئيس بعد الاتفاق عليه، مثلما أدى في المراحل السابقة من التاريخ اللبناني الى اقتتال الإخوة وتدمير أحلام الطائفة.