يرفع “التيار الوطني الحرّ” منذ عودة العماد ميشال عون من باريس في 7 أيار 2005 شعار “استعادة حقوق المسيحيين”، ويخوض كل معاركه على هذا الأساس.
لكن الحقيقة أن هذا الشعار تحوّل إلى إستعادة مصالح بعض العونيين المنتفعين، وليس الجمهور البرتقالي الذي صدّق كل الوعود التي أغدقها عليه رئيس تيار، فيما كانت النتيجة أن عهد عون بات يُصنّف من الأسوأ في تاريخ العهود الرئاسية.
قد يكون عون ليس الوحيد المسؤول عمّا وصلت إليه أحوال البلاد، لكن كثرة وعوده جعلته يُحاسب على ما وعد به، إضافةً إلى أنه عندما دخل إلى جنّة الحكم نقض كل ما كان يبوح به.
لكن الأخطر من كل هذا أن يصل سلوك التيار العوني إلى حدّ اللعب بالتوازنات الداخلية والسعي إلى تغليب فريق على آخر، غير آبه لما ستحمله هذه المتغيرات على الصيغة اللبنانية، فعندما وصل عون لأول مرة إلى بعبدا بين عامي 1988 و1990 أدّت حروبه وسياساته إلى “إتفاق الطائف” وانهزام المكوّن المسيحي.
واليوم يحذّر كثر من تكرار السيناريو نفسه، فالرئيس عون قال أمام الجميع ومن على شاشة الجزيرة أن “حزب الله” يمثّل ثلث الشعب اللبناني، فكيف وصل الرئيس إلى هذا الإستنتاج؟
لا شكّ أن “الحزب هو الأول عند الشيعة، ولو سلّمنا جدلاً أنه يمثّل كل الشيعة ولا وجود لحركة “أمل” أو مجتمع مدني أو معارضة شيعية، فإن هذا الأمر هو إعتراف مبطّن بمنطق” المثالثة” المرفوض لدى كل الشرائح اللبنانية، ما يعني أن مصلحة التيار العوني مع “الحزب” تطغى على كل شعارات “إستعادة حقوق المسيحيين”.
وأمام هذا المنطق، فإن “التيار الوطني الحرّ” يريد أن يستمر في سياسته القائمة على تغطية “حزب الله” في مخططاته الإستراتيجية الكبرى وهي سيطرة “الدويلة” على الدولة في الداخل وعدم الإعتراض على نشاطه الحربي في سوريا والعراق واليمن وتهديد أمن الخليج، وذلك من أجل تحقيق مكاسب داخلية في إدارات الدولة وإيصال رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل إلى سدّة الرئاسة مثلما ضغط وعطّل سابقاً من أجل وصول عون إلى بعبدا والوصول إلى كل ما وصلنا إليه اليوم.
لا شكّ أن الدولة تنهار وأحد أسباب إنهيارها هو تحالف مافيا المال والسلاح، ويستمر “حزب الله” بغطاء مسيحي يؤمنه له “التيار الوطني الحرّ” في ضرب آخر مؤسسات الدولة وهيبتها، وبالتالي فإن أي أمل بفكّ التحالف بين “الحزب” و”التيار” غير واقعي.
ويبدو أن الإقرار بمبدأ المثالثة يدخل في صلب حسابات “التيار الوطني الحرّ” إذا كان هذا الأمر يرضي “حزب الله”، فاتكال عون على تحديد أن “الحزب” يمثل ثلث الشعب اللبناني ينبع من وضع حركة “أمل” في جيب “الحزب”، وهذا غير صحيح لأن الشيعة ليسوا الثلث، إما أنه يعتبر أن هناك ذوباناً لـ”التيار الوطني الحر” في تنظيم “حزب الله” لذلك عندها يصبح “الحزب” يمثّل ثلث الشعب، بحسب حساباته طبعاً.
وفي كل الأحوال فإن كل ما يصدر عن هذه الأكثرية ينبئ بالأسوأ، لذلك فإن الخوف مما قد يصل إليه البلد نتيجة سياسات الحكام المتحكّمين بالمراكز والمتمترسين على الكراسي.