Site icon IMLebanon

عون يتجرَّع سمّ التعطيل الذي أوصله إلى الرئاسة

 

باسيل محبط لإفشال الصفقة ويُصعِّد لشعوره بانقلاب «الحزب» عليه

 

 

بدا رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل في اطلالته الاعلامية الاخيرة، بعد صدور قرار المجلس الدستوري بعدم قبول الطعن بقانون الانتخابات النيابية، الذي قدمته كتلته النيابية، وكأنه تلقى ضربة افقدته صوابه، لشعوره بالانقلاب عليه من حليفه حزب الله، بافشال صفقة المقايضة الموعودة، فوزع حابل اتهاماته، بنابل سهامه، التي لم توفر حليفا، او خصما، حتى حليفه الاوحد، الذي طالته اكثر السهام، حدة.

 

وتكاد تكون هذه الخصومة المتصاعدة، بين التيار الوطني الحر، وحزب الله، الاولى بهذه الحدة، التي تجاوز فيها باسيل، حدود ورقة تفاهم مار مخايل المهشمة اصلا، وسمى الأشياء بأسمائها، متهما حليفه بتهديد الشراكة الوطنية، والعيش المشترك، وما الى هنالك من سيمفونيات الميثاقية، وصلاحيات رئيس الجمهورية، وصحة التمثيل وغيرها.

 

حاول باسيل تصوير قرار المجلس الدستوري بعدم قبول الطعن، وكأنه موجه لاستفراد واستضعاف المسيحيين، واصفا قرار رد الطعن، بانه سياسي بامتياز، وبمثابة تحالف رباعي جديد، يقصد به عمدا، اصطفاف المسلمين ضد المسيحين، واعتداء على صلاحيات رئيس الجمهورية، وضربا للميثاقية، باعتبار ان التيار العوني ، يختزل بمفهومه الخاص، تمثيل كل المسيحيين، وصولا إلى اتهام الثنائي الشيعي بتعطيل جلسات مجلس الوزراء، فيما لم يوفر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي من تهمة التهاون بعدم الدعوة عمداً لعقد مجلس الوزراء، تماشياً مع الثنائي المذكور.

 

ما قيل عن صفقة موهومة لتعويم باسيل لم تكن سوى طبخة بحص للإلهاء وتقطيع الوقت

 

اراد باسيل كعادته اللعب على الوتر الطائفي، واظهار نتيجة الطعن السلبية وكأنها، تمت بتواطؤ كل الاطراف السياسيين المسلمين، موالين ومعارضين، ضد كتلة التيار الوطني الحر المسيحية، لاظهار ما حصل وكأنه استهداف للمسيحيين، خلافا للواقع والحقيقة، والهدف من ذلك اثارة الغرائز الطائفية، وشد عصب جمهوره من حوله.

 

لم تكن ردة فعل رئيس التيار الوطني الحر بهذه الحدة، لو لم يكن هناك سبب بالغ الأهمية، ادى لانفعاله على هذا النحو، وقد اصبح معروفا وليس خافيا على احد. حاول باسيل التغطية على فشل صفقة مقايضة، نزع صلاحية ملاحقة الرؤساء والوزراء والنواب، التي ساوم عليها حليفه طوال الاسابيع الماضية الى حدود الابتزاز، من مهمة المحقق العدلي بتفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، بسلة من التغييرات بمجلس القضاء الاعلى وسلسلة تعيينات وتبديلات بمراكز الفئة الأولى، لكي توظف في رصيد العهد ورصيده الشخصي، مسيحيا، بما فيها تغيير حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، بالتزامن مع تحقيق مطلبه بقبول الطعن، الذي يطمح من خلاله لإزالة، وتحييد مخاطر تصويت المغتربين ضد مرشحي التيار الوطني الحر في كل الدوائر الانتخابية، وليس حصر تصويتهم بانتخاب ستة نواب يمثلونهم.

 

كانت الصفقة الموعودة في حسابات باسيل، الذي حاول انكارها دون جدوى، بمثابة سلة مكاسب متعددة المفاعيل، لإعادة تلميع صورته وتعويمه شخصيا اولا، وشد عصب تياره وجمهوره، على ابواب الانتخابات النيابية، بعد حالة الوهن التي اصابته، جراء تراكمات سوء الاداء والفشل في ادارة السلطة، والفساد ونهب الاموال العامة، بالكهرباء وغيرها ثانيا، ومحاولة تجميل صورة العهد المظلمة قدر الامكان، بعدما اغرق بممارساته الفاشلة، البلاد واللبنانيين، بأسوأ كارثة مرت عليهم.

 

الاصعب من فشل الصفقة على رئيس التيار الوطني الحر وتياره ، الشعور الضمني بالمرارة الظاهرة في نفسه، بأنه ورئيس الجمهورية تُرِك، وحيداً هذه المرة، حتى من قبل حليفه حزب الله، برغم كل ما قدمه له، من تغطيات لممارسات، ومخالفات وارتكابات الحزب بالداخل والخارج، وكأنه لم تعد هناك حاجة لهذا التحالف معه مستقبلا.

 

ردة فعل باسيل، بالتصعيد والتلويح بالتصويب المباشر على حليفه، وتحميله المسؤولية بافشال الصفقة، باتت مكشوفة الاهداف، ولن تجدي نفعا، ولا تشد عصب جمهوره المنكفىء عن تياره، ولن تعيد الحياة للصفقة الميتة، مهما علا صراخه وهدد وتوعد، لأنها تعبر عن الضعف الذي اوهن العهد وفريقه، وليس عن القوة، بعدما سلَّم كل أوراقه للحزب، واستعدى، بسلوكياته الاستفزازية والالغائية، وخطابه الفتنوي الطائفي، كل الاطراف السياسيين الأساسيين، وحتى الدول العربية الشقيقة والصديقة، ولم يعد بامكانه حبك تحالفات ذات وزن سياسي مؤثر، للاستغناء عن تحالفه المتصدع مع الحزب، لانه وباختصار، احرق كل مراكبه، ولم يترك له صديقا او حليفا، يستند اليه، او يستقوي بتحالفه معه.

 

قد يكون واهما، كل من كان يعتقد بامكانية تنفيذ الصفقة المزعومة، بعدما تكشَّف عنها من وقائع وافتراضات، برغم استفادة الحزب وآخرين منها لطي خبايا تورطهم بملف تفجير مرفأ بيروت ايضا، حتى لو وافق عليها جميع المسؤولين والاطراف السياسيون المعنيون، لانه ليس باستطاعة اي طرف تسويقها، او تحمّل مسؤوليتها، او اقناع الرأي العام بصوابيتها او مردودها «الايجابي»، بل ستؤدي حتما، ليس الى تحريك غير مسبوق للرأي العام المحتقن اساسا ضد المسؤولين، واعتراض المجتمع الدولي عليها فقط، وانما ستؤدي، الى خلخلة الجسم القضائي والواقع الوظيفي، وتهدد ركائز الدولة كلها.

 

إزاء ذلك، لا يمكن لباسيل الادعاء بأن عدم قبول الطعن، او سقوط الصفقة، يعني تجاوزا لصلاحيات رئيس الجمهورية، لانه هو الذي صادر هذه الصلاحيات شخصيا، وأمعن باستغلالها، واستقوى فيها لتعطيل الحكومات، او تشكيلها حسب مصلحته، وتسيير شؤون الدولة على هواه، ومايزال يتلاعب بها، بلا حسيب او رقيب، على حساب المصلحة الوطنية العامة. بينما يبدو ان ما يقوله بتجاوز الميثاقية، لا يقدم ولا يؤخر، لانه هو من يلوح بها عندما يسعى لتحسين شروطه وابتزاز خصومه، ويضرب بها عرض الحائط، عندما تتعارض مع مصلحته، او تستهدف خصومه، وتنال منهم، كما جرى خلال تشكيل حكومة حسان دياب السابقة، التي لم يراعِ فيها الحد الادنى من الميثاقية المزعومة.

 

اما المضحك المبكي في حملة رئيس التيار الوطني الحر، فهو رشق الثنائي الشيعي بتهمة تعطيل جلسات مجلس الوزراء، ما يعني انقلابا في الادوار التي كان ينتهجها هو، او يتولاها مع رئيس الجمهورية ميشال عون بالوكالة عن حزب الله، او بالاصالة عن التيار العوني، لإبتزاز الخصوم واستهدافهم خدمة لمصلحته الشخصية، او لأهداف ومصالح حلف الممانعة، الذي اندمج فيه، طوال المرحلة الماضية، وما يزال حتى اليوم، وتوليه شخصيا وبامتياز، مسلسل تعطيل عمل الحكومات السابقة او اسقاطها، اكبر شاهد على نهجه التعطيلي، بينما تشكل عرقلة تشكيل حكومة الرئيس سعد الحريري الاخيرة مثالا صارخا على ممارساته، وقبلها تعطيل انتخابات رئاسة الجمهورية لمدة تقارب عن السنتين ونصف بالتماهي مع حزب الله، لإيصال عون للرئاسة بقوة السلاح، واللائحة تطول وحافلة ببصماته السوداوية.

 

وباختصار، تؤشر وقائع غضبة الوريث السياسي لرئيس الجمهورية النائب جبران باسيل، الى ان مرحلة الدلال التي حظي بها مع تياره للاستقواء بحليفه سابقا، تبدلت أو قد تكون شارفت على الانتهاء، لانتفاء الحاجة اليها، او تحضيرا لملاقاة مرحلة المتغيرات الإقليمية والدولية التي تبدو بالافق . ولذلك، فإن الصراخ والعويل السياسي المتصاعد، سيزيدان في غوغائية الوضع القائم على أبواب الانتخابات النيابية، ولكنه بالطبع لن يقلب الواقع السياسي رأساً على عقب، كما يروج البعض، وانما يضع باسيل امام خيارين، لا ثالث لهما، فإما يجنح للتغريد منفردا، منزوع الأظافر والانياب، في نهايات موسم العهد المتهالك، او بالعودة صاغرا الى بيت طاعة الحزب، لاستكمال تغطية وتنفيذ سياساته التدميرية ضد لبنان وأهله، مقابل تجرُّع مرارة التعطيل الذي كوى به خصومه، لانه لا خيار افضل منه امامه لخوض الانتخابات النيابية او الرئاسية بمعزل عن تحالفه مع الحزب ، فيما يلاحظ، ان كل ما قيل عن صفقة موهومة، لاسترضائه أو تعويمه والعهد العوني، لم تكن سوى طبخة بحص للإلهاء وتقطيع الوقت سدى، وليس أكثر.