المقدمات تحدد النهايات. وليس بين التوقعات أن ينجح، إذا بدأ، الحوار الذي دعا إليه الرئيس ميشال عون في السنة الأخيرة من العهد، من حيث المفترض أن يكون برنامج العهد منذ البداية. فلا معظم المرشحين للحوار سوى الذين إختلف معهم رئيس الدولة أو إختلطوا معه، وكثرت الخلافات والصراعات بين بعضهم بعضاً. ولا اللامركزية الإدارية الموسعة تحتاج الى حوار، وهي مبدأ مكرس في إتفاق الطائف، وله مشروع مفصل عمل عليه الوزير زياد بارود في عهد الرئيس ميشال سليمان. لا الحوار حول الإستراتيجية الدفاعية منذ خمسة عشر عاماً وصل الى مكان، لأن الوضع الحالي في رأي”حزب الله” صاحب السلاح هو الإستراتيجية الدفاعية. ولا خطة التعافي المالي والإقتصادي هي، وسط التمسك بالمصالح والهرب من الإصلاحات في ظل الإنهيار الكبير، سوى مشروع تصر فيه المافيا السياسية والمالية والميليشيوية على حماية سارقي المال العام والخاص. فضلاً عن أن رئيس الجمهورية يلوم”المنظومة”على كل شيء ويعفي نفسه كأنه رئيس المعارضة.
وليس من السهل على”التيار الوطني الحر” أن يعود الى نفسه بعد تجربة السلطة التي كشفت المسافة بين الشعارات والممارسة. فلا هو يريد”تكسير كل الأواني” مع”حزب الله”. ولا هما معاً يتخليان عن حاجة كل منهما للآخر في المرحلة الحالية عشية الإنتخابات النيابية والرئاسية والتحولات الإقليمية. منطق”التيار” أن الخلاف مع”حزب الله” تكتيكي حول أمور داخلية. أما الأمور الإستراتيجية، فإن التفاهم عليها ثابت بعد خمسة عشر عاماً على”تفاهم مار مخايل” الذي بقيت بنوده حبراً على ورق.
لكن الإستراتيجية التي يعمل بها ولها “حزب الله” تضع تحديات كبيرة أمام لبنان. فالإستعداد لمواجهة أي إعتداء إسرائيلي جزء من المهام المتعددة للمقاومة الإسلامية. وما هو تحت عنوان الدفاع عن لبنان صار يشكل مخاطر عليه، في الداخل وفي إساءة العلاقات مع الأشقاء العرب والأصدقاء الدوليين. وهو يقوم اليوم بأدوار إقليمية في حرب سوريا وصراعات العراق وحرب اليمن وقضايا البحرين الداخلية كما يأخذ لبنان الى “محور الممانعة” ويخدم مشروع “ولاية الفقيه” بقيادة إيران. فهل يوافق “التيار الوطني” على كل هذا؟ وماذا يعمل للضغط على شريكه في” التفاهم” لوقف المخاطر على لبنان والكف عن إقحامه في دور معادٍ للعرب والغرب؟
لا أحد يتوقع من العهد و”التيار” مطالبة “حزب الله” بما طالب به الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش خلال زيارته لبيروت: “أن يصبح حزباً سياسياً كسواه”. فهو حزب سياسي وعسكري وأمني وإقتصادي، محلي وإقليمي. وهذا مبرر وجوده. وهو جزء من مشروع لا يمكنه التوقف عن دوره فيه.
صرنا في حنين الى الماضي الذي كنا ننتقده. و”عندما تفقد الأمل في المستقبل ويكون الحاضر بائساً ومقلقاً، فإننا نعود الى الماضي الذي يصبح ملاذاً” كما يقول إدغار موران.