الدخول في زمن الانتخابات يفضح المستور. يكشف حجم التناقض بين الظاهر والباطن. وما أدراك ما الباطن؟؟ هو في قاموس الحاكم بأمر وليّه الفقيه فعل أمر مبني وممنوع من الصرف إلا حيث يريد له أن يُصرف.
ممنوع في هذا الفعل الإجتهاد… فقط الإلتزام بالتكليف الشرعي… فقط: نفّذ ولا تعترض.. قوامه الإلتزام بفروض الطاعة ولا شيء غيرها.
الباطن هو انفصال تام لأوغاد المنظومة السياسية عن بطولاتهم في كل المسلسلات المكسيكية والتركية التي لا تنتهي حلقاتها ولا أجزاؤها، والتي يتحفوننا بها عندما يعقدون مؤتمرات صحافية ليفرغوا ما في جعبهم من الكذب على جمهور مستباح.
الباطن هو الاستراتيجيات المقدسة، التي تقضي بأن يتواصل رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية مع خصمه اللدود ميشال عون الذي حرمه من رئاسة الجمهورية، مرة لنفسه ويستعد ليحرمه منها مرة ثانية لصهره وخليفته جبران باسيل، وأن يتوجه لزيارة بعبدا، فقط لأن عليه ذلك بموجب فعل الأمر.
والتوتر العلني بين “التيار الوطني الحر” و”حركة أمل”، سيتحول مع اقتراب الإستحقاق الإنتخابي شهر عسل لزواج لا متعة فيه، فقط بفعل الأمر.
وفي حين يستطيع أوغاد المنظومة مواصلة التكتيك الذي يزداد سخافة ولا يتجاوز أكل الهواء، تنطلق مرحلة التحضير الجدي للاستحقاق الانتخابي، يتولاها الحاكم، مفتتحاً العمل بموجب حسابات دقيقة على النقطة والفاصلة بين “حلفائه” الذين مهما صالوا وجالوا وفجّروا قنابلهم الصوتية الخاوية، يحرصون على عدم قطع خيوط التحكم بهم من فوق.
ذلك أن “الحلفاء” القادرين على تناتش الحصص والمغانم من بعضهم البعض، عاجزون، قطعاً، عن البقاء ضمن المنظومة من دون تدخل الحاكم لصالحهم، وفرضهم وفرض غيرهم من الهامشيين الذين لا وجود لهم فعلياً إلا لأنهم يقدمون فروض الطاعة.
هي الحسابات الإنتخابية، والحاكم بأمر وليّه الفقيه لا يمكنه مواصلة مصادرة السيادة ما لم يضمن أكثرية نيابية عددية، بعدما باتت مستهلكة ومهلهلة “الأكثرية الشعبية” التي استخدمها لينقلب على خسارته الانتخابات عام 2009، ويغيِّر المعادلات وصولا إلى ما نحن فيه من عزة وكرامة وفوز محتوم بجنة الخلد.
هي قواعد اللعبة التي لا تساهل فيها. ومهما استوجبت مسيرة الحشد الشعبوي من شد عصب وتظهير مظلوميات وهمية، لا بد من عدم تقويضها.
لا شيء متروك للصدفة.. لا تعطيل مجلس الوزراء ولا الحرد ورفض توقيع المراسيم الجوالة، ولا التلاعب المتعمد بسعر صرف الدولار ليلامس سقوفاً تغتال ما تبقى من قدرة لدى اللبنانيين على سدّ رمقهم ليس أكثر.
لا شيء متروكاً للصدفة.. لا الهجوم المركز للحاكم بأمر وليه الفقيه على السعودية، ولا الإعلان عن مؤتمر سياسي تعقده المعارضة السعودية غداً في الضاحية الجنوبية لبيروت، بصفتها عاصمة الإنتصارات الإلهية، على هامش إحياء ذكرى إعدام الشيخ السعودي المعارض نمر باقر النمر، تحت عنوان “لقاء المعارضة في الجزيرة العربية”.
يجب أن ينفجر البلد أو يزداد عزلة وخضوعاً. لا مفاضلات ولا خيارات. أو فلتان أمني ساحق ماحق يطيح بإمكانية إجراء الإنتخابات من إساسها، أو سيطرة كاملة على الصناديق بعد تحويل الناخبين من ذئاب جائعة إلى كلاب حراسة برشاوى تستبدل نقمتهم على المنظومة بإستشراس في حمايتها لحماية مكتسباتهم الموسمية.
المهم تنفيذ فعل الأمر، من أسفل الهرم حيث القهر والتجويع والإذلال، إلى ما دون القمة حيث مقام “الحلفاء” غير النديين المربوطين بحبال التحكم، والأوفياء المتلزمين بفروض الطاعة.