في الأصل وضمناً، لم يكن الرئيس ميشال عون يأمل الكثير من انعقاد طاولة الحوار. وهو لم يكن «مستقتلاً» من أجل انعقادها، لإدراكه سلفاً أن العناوين الثلاثة التي طرحها لم تكن لتتوصل إلى أي نتيجة في شأنها، سوى تكرار مواقف وقرارات سابقة كانت صدرت في مراحل سابقة منذ 2006 تبين أنها بقيت حبراً على ورق ولم تخرج إلى حيز التنفيذ. هذا إذا افترضنا، لو انعقدت، أنها لم تكن لتنتهي إلى فشل ذريع وإلى خلافات حادة زادت من الشرخ الوطني الواسع.
فلا البحث باللامركزية الإدارية والمالية كان ليصل إلى أي نتيجة سوى تعميق الخلاف عليها نظراً إلى تباعد الآراء في شأنها، بين من يصر على رفض الشق المالي منها لأن اتفاق الطائف لا ينص عليه، بل على اللامركزية الإدارية الموسعة، وبين من يعتبر، ومنهم الرئيس عون وفريقه وحزب «القوات اللبنانية» أن توسيعها يوجب امتدادها نحو مقاربة الشق المالي لأهداف إنمائية، في ظل استمرار التنازع على المكاسب الفئوية في الدولة المركزية في ظل اختلال التوازن الإسلامي المسيحي وغياب المساواة في جباية الضرائب بين مناطق وأخرى بحكم الأمر الواقع… كان عنوان اللامركزية الإدارية لينقل النزاع من خلاف بين الفريق الرئاسي و»الثنائي الشيعي» الذي يتهمه هذا الفريق وتحديداً رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل بتعطيل مجلس الوزراء، ثم البيان الصادر عن المكتب الإعلامي من دون أن يسميه، إلى انقسام عمودي إسلامي مسيحي نظراً إلى رفض القيادات السنية و»الثنائي» الشق المالي منه. حتى أن حزب «القوات» الذي يمكن أن يتلاقى مع عون في شأن هذا العنوان، لما كان اعتبر أن اللامركزية هي المسألة الأساسية التي تتطلب المعالجة في ظل قناعة القيادة القواتية أن لب المشكلة هو في هيمنة «حزب الله» على السلطة وفي تحالف عون وباسيل معه.
أما العنوان الأساسي من جدول الأعمال، الذي يتناول سلاح «حزب الله»، أي الاستراتيجية الدفاعية، فلم يكن النقاش فيه ليصل إلى أي نتيجة في ظل تمسك الحزب بالاحتفاظ به، وبتكرار قادته في مواقف يومية، بأن سلاح المقاومة هو الذي حفظ البلد وحماه من العدوان الإسرائيلي ودافع عن سيادته وأمّن له عزته وقوته وهو الذي يحفظ له حقوقه في وجه إسرائيل. فالحزب ليس في وارد أي تنازل في هذا المجال خصوصاً في ظل التفاوض الحاصل بين الولايات المتحدة الأميركية وبين إيران التي تعتبر وضعية الحزب الحالية ورقة متفوقة لن تتخلى عنها، لا في إطار النفوذ الإقليمي، ولا في سياق الكر والفر الذي تخوضه مع المملكة العربية السعودية ودول التحالف لدعم الشرعية في اليمن… وسط التصعيد من قبل الحزب ضد المملكة على الأراضي اللبنانية متحدياً بذلك كافة الدعوات لوقف تدخلاته، وحملاته عليها برعايته مؤتمرات لمجموعات معارضة لحكام دول الخليج.
يكفي الحزب العودة إلى تبريرات عون وباسيل، لعدم طرح هذه الاستراتيجية وفق وعده في خطاب القسم، في تصريحاته، ليكررها على مسمعه على الطاولة من أجل التقليل من أهمية مناقشة موضوع سلاحه.
من نافل القول ان العنوان الثالث المتعلق بخطة التعافي الاقتصادي والاتفاق مع صندوق النقد في جدول أعمال الحوار، كان يهدف إلى استخدامه من أجل المطالبة بتحقيق بنود فئوية للفريق الرئاسي. وفضلاً عن أنه يصعب تخيّل مناقشة الموجودين الى طاولة الحوار مسائل تحتاج إلى تقنيين لبحث خطة التعافي هذه فإن أياً منهم ليس مستعداً لمجاراة رجال العهد بتحميل البرلمان مسؤولية عدم إقرار قوانين إصلاحية أو بالرغبة في الاستحواذ على منصب حاكم مصرف لبنان.
لم يتسنَّ للرئيس عون أن يتنعّم بالصورة حيث يجلس حوله القادة ليوحي، لنفسه أولاً، وليتوهّم جبران ثانياً، بأنه ما زال ممسكاً بزمام المبادرة وأنه هو المصيب والصح والآخرون هم المشكلة بعقلية أنا او لا أحد، العبثية. البيان الرئاسي أمس بتحميل المسؤولية لسائر الفرقاء ليس سوى تكريس للعزلة الرئاسية مهما أنكرها الفريق الحاكم، سواء على الصعيد اللبناني العام، أو على الصعيد المسيحي…