IMLebanon

رئيس جمهوريّة “التيّار”!

 

من يستمع إلى أدبيّات «التيّار الوطني الحر» يظن أنه يعيش في العام 2005! العماد البطل عاد لتوّه من منفاه الباريسي الفخم بعد أن تنشق هواء «الشانزليزيه» لسنواتٍ طويلة وعقد مئات المقابلات الصحافيّة ونظم عشرات الإطلالات عبر الشاشة (حتى قبل أن تدرجها قوى الممانعة الأخرى)، والتي حاضر فيها عن السيادة والاستقلال والقرار الوطني اللبناني الحر.

 

طبعاً، سرعان ما نسف «التيّار» كل تلك الأدبيّات السياسيّة من خلال التفاهم المصلحي الذي عقده مع «حزب الله» في شباط 2006، وهو التفاهم الذي هدف إلى تحقيق المصلحة السياسيّة المباشرة لكلا الطرفين وليس لمنع الفتنة والحرب الأهليّة كما يحلو لهما لتسويقه وتبريره دائماً.

 

المشكلة أن هذا التفاهم قد إرتكز على معادلتين: يغض «التيار» النظر عن مسألة السلاح والاستراتيجيّة الدفاعيّة مسلفاً حليفه غطاءً مسيحيّاً ومواقف تتناقض تماماً مع المسار القديم لـ»التيار» في مسألة العلاقة مع النظام السوري ومحور الممانعة؛ بالمقابل، يتيح «حزب الله» لحليفه البرتقالي اللعب في الساحة الداخليّة دون أي تدخل يُذكر، حتى ولو كان هذا التلاعب الصبياني في بعض الحالات والشيطاني في الحالات الأخرى يعرّض السلم الأهلي لإهتزازات عميقة تترك ندوباً كبرى.

 

لقد باع «التيّار» شعاراته القديمة واستبدلها بأخرى أكثر ملاءمة مع هذا التحالف الذي أدّى ويؤدّي إلى تلاشي فكرة الدولة وطغيان فكرة المقاومة. وبسبب اللعنة التاريخيّة التي تلاحق اللبنانيين والتي تتمثّل بضعف الدولة، فإن الفكرة إنتقلت إلى سطوة مباشرة وغير مباشرة على قرار الدولة وهو ما يُفسّر التدهور غير المسبوق الذي يشهده لبنان، سواء على المستوى الاقتصادي الإجتماعي أم على مستوى إنهيار علاقاته العربيّة التاريخيّة ودخوله في عزلة مكلفة ومدمرة.

 

لو لم يكن «التيّار» يستولي على الرئاسة الأولى وكتلة نيابيّة ووزاريّة وازنة لما كانت الأضرار السياسيّة على هذه الدرجة من الفداحة. بفعل هذا التحالف، يستطيع «التيار»، على سبيل المثال، أن يسيطر على وزارة الطاقة والمياه لأكثر من عشر سنوات متنقلاً بها من مستشار إلى آخر، ويكبّد الخزينة أكثر من أربعين مليار دولار من الخسائر. إلا أن حليفه لا يتفوّه بكلمة حيال هذا الأمر، فالتفاهم الاستراتيجي أكثر قوّة وأهميّة من توفير الطاقة للبنانيين.

 

أن يتغاضى رئيس الجمهوريّة عن الوعد الذي قطعه مراراً وتكراراً بالدعوة إلى حوار حول الخطة الدفاعيّة دون أي مبرّر، فهو لا يشكل تراجعاً عن دوره وصلاحياته (التي يقاتل في سبيلها في مواقع أخرى مفتعلاً النزاعات السياسيّة حولها دونما حاجة لذلك) في إستعادة الدولة لإحدى وظائفها السياديّة الأساسيّة، ألا وهي الدفاع الحصري عن الأراضي اللبنانيّة.

 

لقد أدّى التماهي التام بين رئيس جمهوريّة «التيّار» وبين محور الممانعة إلى تدمير علاقات لبنان الخارجيّة وإلى إدخال لبنان في واقع مأزوم على مختلف المستويات، ستكون له تداعياته لأجيالٍ إلى الأمام بفعل عمق الحفرة التي لا يزال لبنان يغرق فيها بسبب سياسات التعنت والمعارك الوهميّة التي تُفتعل دوريّاً، والتي لا تؤدّي سوى إلى المزيد من الشلل والتدهور الاجتماعي.

 

لم ينجح رئيس جمهوريّة «التيّار» في أن يكون رئيساً لكل اللبنانيين، بل هو أصر على عدم مغادرة رئاسة «التيّار» رغم توريثه إياه لنسيبه (وهو الذي يهاجم التوريث السياسي بالمناسبة). أن يكون الرئيس رجل دولة، فذلك يتطلب مواصفات لا تنطبق على من حفل تاريخه بالحروب العبثيّة وعلى من تمحورت كل حياته السياسيّة على الجلوس على الكرسي! تبيّن أن هذا الجلوس لم يكن سوى إشباع لرغبات شخصيّة لا تمت إلى أي مشروع وطني بصلة.