IMLebanon

7 أيار اجتماعي تمهيداً لدوحة جديد!

 

 

يُدرك الرئيس ميشال عون انّه لحظة خروجه من القصر الجمهوري قبل منتصف ليل 31 تشرين الأول المقبل يفقد أوراق قوته وقدرته على المبادرة، ولذلك، يجب توقُّع اي شيء قبل هذا التاريخ، في محاولة لضمان من سيخلفه في موقع الرئاسة الأولى.

لا يغيب عن بال أحد، انّ همّ الرئيس عون الأساسي كان وما زال رئاسة الجمهورية، وواهم كل من يعتبر انّه سيترك القصر الجمهوري بهدوء وسلاسة، وانّ الفترة الفاصلة عن هذا الاستحقاق ستكون مستقرة وتشهد تهيئة لانتقال هادئ في رئاسة الجمهورية.

وعلى رغم قناعة الجميع بأنّ الفراغ الرئاسي هو الاحتمال الأكبر وحتى الأوحد، إلّا انّ البلاد لن تصل إلى هذا الاستحقاق بسلام، لأنّ خيار الفراغ هو آخر الخيارات التي يمكن ان يلجأ إليها العهد، الذي سيقوم بالمستحيل من أجل فرض مرشحه قبل خروجه من القصر الجمهوري، لأنّه يدرك انّ انتهاء ولايته يُضعف دوره وتأثيره لثلاثة أسباب أساسية:

السبب الأول سياسي، في ظلّ الخلاف الكبير بين العهد والقوى السياسية على اختلافها، والتي لن توافق، ليس فقط على استمراريته بواسطة النائب جبران باسيل، إنما ستحاول منع اي تأثير له في اختيار رئيس الجمهورية المقبل، أي الّا يخضع الرئيس المقبل لتأثير الحالة العونية.

السبب الثاني ديبلوماسي، في ظلّ وجود قناعة غربية وعربية انّ العهد الحالي سهّل دور «حزب الله» وعزّزه، وكل مساعيه لترسيم الحدود تدخل في سياق السعي إلى استعادة ثقة مفقودة مع واشنطن، فيما الاتجاه الخارجي الغالب يميل إلى عدم تكرار انتخاب رئيس يتماهى مع الحزب إلى هذه الحدود.

السبب الثالث شعبي، بعدما فقد العهد صدقيته الشعبية بفعل الثورة والانهيار، ولن يكون من السهل الترويج لاستمراريته في المرحلة المقبلة لا مباشرة ولا مداورة.

ويدرك العهد انّ خوضه معركة رئاسة الجمهورية يستحيل ان يحصل على البارد على غرار المرحلة السابقة التي أوصلته في العام 2016، وذلك لثلاثة اعتبارات رئيسية:

الاعتبار الأول، كون «حزب الله» ليس في وارد تبنّي ترشيح النائب باسيل على غرار تبنّيه ترشيح العماد عون، ولو كان في هذا الوارد لكان سهّل عليه المهمّة، مبقياً الورقة الرئاسية بجيب باسيل كما كانت بجيب عون.

الاعتبار الثاني، لأنّ أحداً ليس في وارد تبنّي ترشيح باسيل تحت أي ظرف او اعتبار، ولن يدخل معه في مفاوضات ولن يُبرم أي تفاهم او تسوية، فما كان ممكناً مع عون أصبح مستحيلاً مع باسيل.

الاعتبار الثالث، كون إدارة الفراغ بين عامي 2014 و 2016 كانت ممكنة خلافاً لواقع الحال اليوم المأزوم مالياً والمعزول خليجياً والمنتفض شعبياً.

وانطلاقاً من الأسباب والاعتبارات أعلاه، يعلم العهد تمام العلم انّ هناك من ينتظر بفارغ الصبر انتهاء ولايته، ولو من دون الاتفاق على الرئيس البديل، لأنّ انتهاء الولاية سيُضعف دوره وتأثيره، ويحوِّله إلى لاعب ضعيف كونه سلّم البلد أسوأ مما استلمه، وسط انهيار وعزلة وانسداد في الأفق السياسي، وكونه يفتقد إلى التحالفات الداخلية، فلا الفريق الوازن السنّي في وارد التفاوض مع هذا الفريق، ولا بطبيعة الحال الدرزي والمسيحي وفي ظلّ فريق شيعي رافض بقوة، تكرار هذه التجربة، وبالتالي تبعاً لهذه المعطيات، سيكون العهد أمام خيارين:

الخيار الأول، التسليم بالوقائع الآنفة وانتظار انتهاء الولاية والخروج من القصر الجمهوري، ما يعني الذهاب إلى انتخابات نيابية والسعي إلى تأمين انتخابات رئاسية وإلّا الفراغ لتعذُّر الاتفاق على البديل.

الخيار الثاني، ان يحاول قلب الطاولة عن طريق توتير الأوضاع السياسية وتعطيل الانتخابات النيابية وضرب الستاتيكو الحالي، في محاولة لفرض تسوية رئاسية بشروطه.

ومن يعرف العماد عون يعرف جيداً انّه سيلجأ إلى الخيار الثاني على غرار ما فعل بين عامي 1988 و 1990 عندما كان دوره يقتصر على انتخاب رئيس للجمهورية، فشنّ حربين سعياً لرئاسة لم تتوفّر ظروفها، ولدى اجتياح «حزب الله» بيروت في أيار 2008 ظنّ العماد عون انّ دور انتخابه قد حان، فأعلن انّ «التران صار على السكة»، ولكن تسوية الدوحة لم تحمل عون الى القصر الجمهوري، فعاد وانتظر انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان ليرفع شعار إما انتخابه وإما الفراغ المفتوح، وقد استمر فعلاً الفراغ لسنتين ونصف السنة.

وعلى رغم انّ «حزب الله» كان من أكثر المستفيدين من رئاسة عون للجمهورية، ولكنه يدرك استحالة التمديد او بقاء عون في بعبدا او انتخاب باسيل، إلاّ انّه لا يستطيع ان يتصدّى للتوجُّه العوني الرئاسي تلافياً لصدام وخلاف، وبالتالي سيكون في موقع المساير للعهد في إدارته لمعركته الرئاسية شرط عدم الإطاحة بالاستقرار بشكل كامل تجنباً لسقوط الستاتيكو وخسارة الحزب للورقة اللبنانية، ومن هنا لا يجب استبعاد 7 أيار اجتماعي يقود إلى تدخُّل دولي ويفضي إلى تسوية سلطوية شاملة، على غرار ما حصل في الدوحة.

فالعهد لا يريد انتخابات رئاسية بعد النيابية التي ستُختبر فيها شعبيته المسيحية وحجم تكتله النيابي، كما انّ ربط النزاع في الملف الرئاسي حصراً يقود الى الفراغ، وبالتالي الخيار الوحيد أمامه يكمن في الإطاحة بالانتخابات النيابية بحجة الفوضى الاجتماعية، وفي ظل التركيز الدولي على الانتخابات، والحرص الخارجي على الاستقرار، يُصار إلى تدخُّل سريع فرنسي او مصري او قطري، من أجل إبرام تسوية تعيد الوضع إلى انتظامه، ويتمّ الاتفاق في ضوء التسوية الجديدة على سلّة رباعية: التمديد سنة للبرلمان، الاتفاق على رئيس الجمهورية المقبل والعمل على انتخابه على ان يتسلّم مهامه الدستورية بعد انتهاء ولاية الرئيس عون، والاتفاق على من يتولّى رئاسة الحكومة وشكل الحكومة وتوازناتها ومهمّتها.

وهذا السيناريو ليس مختلقاً، إنما يدور حوله النقاش في الغرف المقفلة انطلاقاً من الخيارات التي يعمل عليها «حزب الله» والعهد، لأنّ وصولهما إلى نهاية ولاية الرئيس عون يعني الفراغ المفتوح، الذي يقود الى انهيار ويفتح الباب أمام تسوية وطنية لا سلطوية، فيما تطيير الانتخابات النيابية من باب الفوضى الاجتماعية يقود الى تسوية سلطوية بالاتكاء على وجود عون في بعبدا.

فالعهد يريد ان تتحرّك الأرض ويتحرّك العالم وهو في القصر الجمهوري لا خارجه، من أجل ان يتمكن من موقعه الشرعي في قيادة مفاوضات التسوية السلطوية. والخيارات أمامه أصبحت واضحة: الانتخابات النيابية تعني خروجه من القصر الجمهوري، وتعطيل الانتخابات يعني دفعه باتجاه package deal، ويظنّ انّه ربطاً بموقعه في بعبدا يستطيع ان يتحكّم، بشكل أو بآخر، بمن سيخلفه.

وهذا ما يفسِّر إلى حدٍ بعيد التوترات المفتعلة في أكثر من ملف، والتي سيرتفع منسوبها في المرحلة المقبلة وصولاً إلى فوضى مجتمعية تقود إلى اتفاق دوحة جديد لسببين: الأول، لأنّ الحزب لا يريد تطبيق اتفاق الطائف ولا يريد الذهاب الى طائف جديد ويتمّسك بالستاتيكو الحالي ويريد تمديده. والثاني، لأنّ العهد يريد تسوية سلطوية تُبقي الرئاسة الأولى في عهدته.