IMLebanon

مراكمة الهزائم والانكسارات!

 

تقرأ في الصحف العالميّة خبراً عن وزير أفغاني سابق يعمل كسائق أجرة عبر تطبيق «أوبر» للنقل في واشنطن، وسبق أن قرأنا عن وزير أفغاني آخر يعمل في توصيل وجبات «البيتزا» إلى البيوت في ألمانيا. الأول يُدعى خالد بايندا وكان وزيراً للماليّة في بلاده ويشرف على رسم السياسة الماليّة فيها وعلى إنفاق ما يزيد عن ستة مليارات دولار، والثاني كان وزيراً للاتصالات يُدعى أحمد شيت سعدات يسعى جاهداً لربط بلاده بالعالم وبالحداثة.

 

وزير الماليّة السابق أبلغ صحيفة «واشنطن بوست» التي كشفت هويته أنه سيكون سعيداً إذا أكمل 50 رحلة في غضون يومين لأن ذلك سيخوله الحصول على مكافأة بقيمة 95 دولاراً أميركيّاً. أما وزير الاتصالات السابق فقال أنه يتقاضى 15 يورو في الساعة مقابل توصيل وجبات الطعام الجاهزة معرباً عن سروره بعمله الجديد لا سيّما أنه تسجّل في مدرسة ليتعلم اللغة الألمانيّة.

 

المهم في هذين المثلين ليس الدلالة على تلك الأوطان التي تلفظ أبناءها وبعضهم يفرون منها للحفاظ على حياتهم، مثلما حصل مع الآلاف من الأفغان بعد خذلانهم من قبل واشنطن؛ بل القول بأن ليس ثمّة جاه وسلطة تبقى إلى الأبد. هذان الرجلان دفعا ضريبة السياسات الأميركيّة التي قامت على غزو بلد لطالما اشتُهر بأنه «مقبرة الإمبراطوريّات»، وبعد سنواتٍ طويلة من الخسائر الكبرى والهزائم المتتالية كان قرار الإنسحاب الآحادي وقد أعاد البلاد إلى الوضع الذي كانت عليه قبل الغزو تماماً، أي تحت سطوة وسيطرة «طالبان».

 

العبرة المستخلصة أن المناصب ليست هدفاً بذاتها ولا يمكن أن تكون كذلك ما لم تُسخّر للخدمة العامة، وهي تبقى متاحة للراغبين القيام بها حتى من دون مناصب ومكاسب وكراسٍ ومقاعد. ثمّة من أمضوا عمرهم يلهثون خلف الكرسي، دمروا البلاد مراراً وتكراراً لتحقيق هذا الهدف، وعند وصولهم تحققت أحلامهم ولكن على جثث سواهم.

 

هل من مثال بارز يمكن إستحضاره وفق المعطيات أعلاه؟ يلمع فوراً إسم الرئيس ميشال عون وهو الإسم الأوّل الذي يتبادر إلى الذهن. هل لأنه خاض حربي التحرير والإلغاء مثلاً وقد أدّيا إلى نتائج كارثيّة على الصعيد الوطني والسياسي والإقتصادي، والأهم من ذلك إلى إزهاق الأرواح البريئة؟ هل لأنه إنقلب على كل الشعارات البراقة التي كان يطرحها من منفاه الباريسي الفخم وبنى من خلالها قاعدة شعبيّة عريضة، ثم عاد وتخلى عنها في ذاك التفاهم الشهير الذي يحمل اسم الكنيسة (تفاهم مار مخايل)؟

 

سيدخل الرئيس عون إلى التاريخ حتماً، فاسمه أصبح ضمن قائمة رؤساء الجمهوريّة الذين تولوا الحكم في هذه البلاد التعيسة والمنكوبة. ولكنه حتماً سيدخله من الباب الخلفي وليس من بابه الأمامي الواسع والعريض.

 

لا يماثل ميشال عون الرئيس الراحل فؤاد شهاب بشيء، الأول دمّر الدولة ومؤسساتها ومارس سياسة التعطيل المنهجي، بعكس الثاني الذي بنى مؤسساتها وسعى لعصرنتها وتحديثها. ولا يماثل كميل شمعون بشيء، أو بشارة الخوري، ولا حتى شارل حلو ذاك الفرنكوفوني المثقف، أو ميشال سليمان الآتي إلى الرئاسة أيضاً من قيادة الجيش ولكنه يعرف معنى المؤسسات. هو لا يماثل سليمان فرنجية الذي تحدث باسم العرب جميعاً في الأمم المتحدة، بينما تدمرت علاقات لبنان العربيّة والدوليّة في عهده بفعل «تفاهم مار مخايل أيضاً». أما إميل لحود فذاك الرئيس التاريخي الإستثنائي الفذ يبقى خارج التصنيفات والمقارنات (أوعى تصدّق أيّها القارئ العزيز).

 

إن الرئيس الحالي للبنان هو بمثابة حالة خاصة من نوعها. لا تشبه سواها، ليس في الانجازات والنجاحات بطبيعة الحال، بل بمراكمة الهزائم والانكسارات… إتعظوا من وزيري الماليّة والاتصالات الأفغانيين السابقين.