مع وجود عهد مثل «العهد القويّ»، الذي ليس سوى «عهد حزب الله» في لبنان، يبدو من الصعب التكهّن بمدى التدهور الذي يمكن ان يصل اليه البلد. مع وجود الثنائي ميشال عون – جبران باسيل في قصر بعبدا، ثمّة قضاء كلّي على الامل في لبنان، خصوصا انّ همّ «الثنائي الرئاسي» في مكان فيما هموم اللبنانيين في مكان آخر.
ليس ما يقوم به رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي من خطوات في اتجاه إعادة الروابط بين لبنان ودول الخليج العربي سوى محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ولكن من دون جدوى وأي نتائج تذكر في عالم منشغل بالحرب الاوكرانيّة.
العالم منشغل بالحرب الاوكرانيّة والعرب في الخليج وغير الخليج منشغلون بالتهديد الإيراني الذي يعبّر عنه المشروع التوسّعي لـ «الجمهوريّة الاسلاميّة» الذي يبدو ان لا حدود له. زادت طموحات ايران بعدما اكتشفت انّ إدارة جو بايدن قابلة للابتزاز الى حدّ كبير وتبدو مستعدة لعقد صفقة معها في شأن برنامجها النووي. تبدو إدارة بايدن مستعدة لرفع «الحرس الثوري» عن قائمة الإرهاب لاظهار حسن نياتها تجاه «الجمهوريّة الاسلاميّة» ومدى ازدرائها لمخاوف دول الخليج العربيّة التي تهدّدها الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة الإيرانية التي تطلق من الأراضي اليمنيّة.
تشغل بال رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة أمور صغيرة، لكنّها كبيرة بالنسبة اليه. يبدو مستعدا لكلّ شيء من اجل ان يخلفه جبران باسيل في قصر بعبدا. تؤكّد ذلك زيارته الأخيرة للفاتيكان ولقاؤه مع البابا فرنسيس. بقي من الزيارة دفاع رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة عن سلاح «حزب الله» بدل البحث في ما اذا كان في استطاعة الفاتيكان مساعدة لبنان في الخروج الازمة العميقة التي يتخبّط فيها.
ما يخشاه الفاتيكان استمرار الفراغ في رئاسة الجمهوريّة لفترة طويلة بعد انتهاء ولاية ميشال عون واحتمال استغلال «حزب الله» هذا الفراغ المديد المتوقّع لطرح مسألة تغيير طبيعة النظام اللبناني على نحو جذري. سيفعل ذلك عن طريق فرض «المؤتمر التأسيسي» الذي تحدث عنه حسن نصرالله قبل سنوات عدّة. مثل هذا المؤتمر التأسيسي يفرض المثالثة بديلا من المناصفة في وقت تبدو الطائفة السنّية، وهي عنوان التوازن والوسطيّة، خارج المعادلة السياسيّة اللبنانيّة. يترافق ذلك مع تجاذبات مسيحيّة تعبّر عن حال من الضياع في غياب جبهة لبنانيّة عريضة ترفع شعار الانتهاء من الاحتلال الإيراني بدل الرهان على انتخابات نيابيّة معروفة النتائج. يبدو «حزب الله» في طليعة المتحمسين الى مثل هذه الانتخابات التي سيستخدمها لتأكيد انّه يمتلك الاكثريّة في مجلس النواب، تماما كما حصل بعد انتخابات العام 2018!
عندما يقول رئيس الجمهورية اللبنانية، رئيس الدولة المسيحي الوحيد في منطقة ممتدة من موريتانيا الافريقية الى باكستان والهند في آسيا، أن «المسيحية في لبنان بخير» فهو يحاول التذاكي على الفاتيكان الذي يعرف ادق التفاصيل عن المسيحية في لبنان والمنطقة كلّها وحال مسيحيي لبنان ودور ميشال عون في تهجيرهم من بلدهم بعد افقارهم.
يؤكّد ذلك البيان الصحافي الصادر عن الكرسي الرسولي الذي أشار الى تطرق رئيس الجمهورية في محادثاته مع البابا ومع امين السر في دولة الفاتيكان ووزير الخارجيّة إلى «المشاكل الاجتماعية – الاقتصادية الخطيرة التي تعيشها البلاد، إضافة إلى أوضاع النازحين، على أمل أن تساهم مساعدة الجماعة الدولية، والانتخابات التشريعية المقبلة، والإصلاحات الضرورية في تعزيز التعايش السلمي بين مختلف المذاهب الدينية الموجودة في بلاد الأرز». وختم بيان الفاتيكان مؤكدا أن «المحادثات تناولت أيضا النتائج الكارثية لانفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب – أغسطس 2020، مع الإشارة إلى مطالب عائلات الضحايا بإحلال العدالة والكشف عن الحقيقة».
كشفت زيارة ميشال عون للفاتيكان والحديث الذي ادلى به الى صحيفة «لا ريبوبليكا» الإيطالية الشيء الوحيد الذي يعرفه ميشال، وهو شيء ادركه بعد توقيع وثيقة مار مخايل مع حسن نصرالله في شباط – فبراير من العام 2006، وهي وثيقة في أساسها معادلة «السلاح يحمي الفساد». ادرك ميشال عون وقتذاك ان الطريق الى قصر بعبدا تمرّ عبر «حزب الله». أدى ذلك الى انتخابه رئيسا للجمهوريّة في 31 تشرين الأوّل – أكتوبر من العام 2016. لم يمرّ يوم منذ ذلك التاريخ الّا وزاد الوضع في لبنان سوءا وصولا الى انهيار النظام المصرفي اللبناني وتفجير مرفأ بيروت وهجرة اللبنانيين من بلدهم، خصوصا المسيحيين الذين يطالب ميشال عون وجبران باسيل بحقوقهم.
في السنة 2022، يعتقد رئيس الجمهوريّة اللبنانيّة انّ في استطاعته تكرار تجربة السنوات العشر التي فصلت بين توقيعه وثيقة مار مخايل ودخوله قصر بعبدا. هذا هو السبب الذي دفعه الى القول للصحيفة الإيطالية ان لا دخل لسلاح «حزب الله» بالشأن الداخلي اللبناني. قال بالحرف الواحد: «مقاومة الاحتلال ليست إرهاباً وليس لحزب الله المكون من لبنانيين وحرر الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي أي تأثير على الواقع الأمني الداخلي للبنانيين. والعدالة ستتحقق في ما خص انفجار مرفأ بيروت ونسعى لتطبيق اللامركزية الإدارية الموسعة للتوصل الى تطبيق افضل للدستور». وتابع: «أجزاء من أراضي لبنان وسوريا لا تزال محتلة من قبل اسرائيل وعند التوصل الى تحريرها يمكن الانطلاق بمسيرة مفاوضات سلام لحفظ الحقوق».
ليس معروفا على من يضحك ميشال عون في وقت كلّ ما فعله «حزب الله» هو توجيه سلاحه الى صدور اللبنانيين، خصوصا بعد انتصاره على لبنان وليس على إسرائيل في حرب صيف 2006. هل نسي ميشال عون غزوة بيروت والجبل التي استهدفت اخضاع السنّة والدروز في ايّار – مايو 2008؟
يمكن ايراد لائحة طويلة بما فعله سلاح «حزب الله» بلبنان واللبنانيين. خلاصة الامر انّ سبب مأساة لبنان هو هذا السلاح غير الشرعي الذي في خدمة ايران، وهو سلاح يقرّر من هو رئيس جمهورية لبنان… المسيحي. اين هموم اللبنانيين من همّ ميشال عون وجبران باسيل؟ هل تستأهل رئاسة الجمهوريّة في بعبدا كلّ هذا الرضوخ لـ»حزب الله»؟