Site icon IMLebanon

مكافحة الفساد بتطويع التاريخ

 

لا ينفك الفريق الرئاسي الحاكم عن احتساب التاريخ على أنه يبدأ من عنده، في اللحظة التي يريدها، إلى درجة أنه ينسى أو يتناسى ما سبقه من اختراعه للتاريخ. فهو الذي ابتدع الإصلاح، وهو الذي بدأ مكافحة الفساد وهو الذي جلب الأمن، وهو الذي يصنع استقلالية القضاء، وهو الذي يأتي بالكهرباء، وهو الذي حقق الوحدة الوطنية… ومن كثرة ما ينسب لنفسه أنه بطل العناوين الحميدة، يتجاهل أنه ادعى تحقيقها أو زعم بأنه أنجز منها الكثير، ليعود ويكرر الوعود بمباشرة الإنجاز.

 

هو لا يقوم بمحو تاريخ الآخرين في العناوين كافة التي على الدولة والحكام التصدي لها، والأدوار التي لعبها خصومه أو حلفاؤه فيها، بل إنه يمحو تاريخه هو وذاكرة الشعب والإعلام والقوى السياسية قاطبة، من باب تناسيه لما قاله وفعله.

 

يوم الخميس الماضي قال الرئيس ميشال عون أمام وفد المجلس التنفيذي المنتخب للرابطة المارونية «إنه لن يترك موقعه إلا ويكون قد كشف عن كل فاسد».

 

بات معروفاً كيف يستظل الفريق الحاكم شعار مكافحة الفساد من أجل المحاسبة الانتقائية بهدف النيل من خصوم وممن خرجوا عن بيت الطاعة، أو من أجل التصويب على مواقع وزارية أو مالية أو إدارية أو قضائية أو ديبلوماسية أو حتى سياسية عليا، لأغراض تتعلق بمكاسب في هذه المواقع بهدف الإمساك بقطاعات الدولة مثل قطاع الطاقة والكهرباء، لضمان السيطرة عليها ولاستباق مغادرة القصر بتثبيت النفوذ فيها، للانتفاع منها. وهو لا يفعل ذلك لمصلحته فقط، بل لمصلحة حليفه «حزب الله» الذي يتقن زرع الموالين له هنا وهناك، تارة باسم التحالف وأخرى باسم الطائفة…

 

وعد الرئيس عون بكشف كل فاسد قبل نهاية العهد، نموذج عن احتساب بداية التاريخ وفق أهواء الفريق الحاكم، لكنه مرة أخرى يوقظ الذاكرة إذ لم يوجد في محيطه من ينبهه إلى ما سبق أن قاله هو.

 

في 24 أيار 2018، قال الرئيس عون في إفطار رمضاني أقامه في القصر الرئاسي ما حرفيته: «عهد علينا، ووعدنا لجميع اللبنانيين، أنه وقبل أن يهل هلاله مجدداً في السنة المقبلة ستكون دولتكم قد أنجزت خطوات حاسمة على طريق اجتثاث الفساد من لبنان». صفق الحضور بشدة وانتظروا سنة.

 

في إفطار السنة اللاحقة، بعد أن هلّ هلال رمضان في 2019، قال عون في إفطار القصر الرئاسي في 14 أيار حرفياً: «العام الماضي ومن على هذا المنبر قطعت عهداً ووعداً لجميع اللبنانيين، بأنه وقبل أن يهل هلاله مجدداً ستكون دولتهم أنجزت خطوات حاسمة على طريق اجتثاث الفساد من لبنان. عام مضى على ذلك الوعد، والكثير من الخطوات الحاسمة تحققت على هذا الطريق في أكثر من ميدان، ووعدي هذه السنة بأننا سنتابع ما بدأناه… الاستقرار السياسي والاستقرار الأمني قد تحققا، وكذلك الانتظام المالي… ويبقى الاستقرار الاقتصادي». وأردف: «الليرة بخير، ولا خطر يتهدّدها، والصعوبة التي نمرّ بها مرحلية ومحدودة»…

 

الخميس الماضي قال عون أيضاً إن «مسؤولية إعادة النهوض بالبلاد تقع على من سيخلفني»، داعياً الى «تشجيع الأوادم والشجعان على استلام مقاليد الحكم بعد انتهاء ولايته». فهل نسي محيطه أن يذكره بأنه في السنة الأولى من عهده وعد اللبنانيين بأنه متأكد بأنه سيسلم من سيخلفه البلد في حال أفضل مما استلمه هو؟

 

قد يقصد عون أن يتولى صهره جبران باسيل الخاضع لعقوبات قانون ماغنتسكي حول الفساد، النهوض بالبلد، لكن المؤكد أنه سواء كان هذا قصده أم لم يكن، هو ينكر بأنه سيسلمه لخليفته بأسوأ بكثير مما استلمه، على رغم ما سببه تعطيله و»حزب الله»، انتخاب الرئيس سنتين ونصف السنة من فراغ في السلطة، كي يتبوأ هو المنصب، ليتأكد للبنانيين بأن تطويع التاريخ يقود إلى قصم ظهر البلد وإلى قعر جهنم.