Site icon IMLebanon

بطركيَّاتٌ ورئاسات

 

 

إستمعتُ بمنتهى الـدقّة والإصغاء لغبطة البطريرك الماروني بشارة الراعي في مقابلة تلفزيونية الأحد الفائت، واستطعتُ أنْ أكتشف من وراء الكلمات ما شاء البطريرك أنْ يُعلنه تلمحياً بالإشارات.

لـنْ أخوض في المجال البطريركي حـول “واقع لبنان الذي لم يعد يشبه نفسَه، وما وصـل إليه هذا اللبنان من فواجع خلافاً لأيِّ زمان، وحول مؤتمر الطائف والمؤتمر الدولي وموضوع الحياد..”، فهذه جميعاً عبَّـر ويعبِّـرُ عنها البطريرك أفضل مني وأحجى.

 

وانطلاقاً من انعطافةٍ بطريركيةٍ تـتّفق بثناء مع رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعـد الذي قـال خلال لقاء سياسي، “بأنّ لا أحـد يمكنه الحكم وحـده حتى ولو طـال رأسه السماء..”.

أتوقّف عند إشارة البطريرك إلى الحكم ورأس الحكم، بما هما عليه من رأس للحكمة أو رأس للمعاصي.

ما معنى، أنْ يتمنّى البطريرك العائد من القاهرة، “أنْ يكون رئيس الجمهورية في لبنان شبيهاً بالرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي، الذي ارتقى نهوضاً بمصر وحقّـق وحـدة شعبها…”.

 

ما معنى أنْ يقول البطريرك: “إنّ الرئيس اللبناني يستطيع أنْ يوحّـد الشعب بقـوة الدستور على أنْ يكون منزّهاً وفوق الجميع”.

وما معنى أن يحـدّد البطريرك مواصفات الرئيس القـوي: “فلا يكون أسيرَ الإرتباطات، وعلى عـزلةٍ مع العالم الخارجي وعلى عـداء مع العالم العربي… وفي الكلام: “أنْ لا يكون أحـدٌ أمامَـهُ أو وراءه” تُشير الدبلوماسية البطريركية إلى مَـنْ هو خلـف الرئيس ومن هو خليفة…”.

ولـمّا سُئلَ البطريرك، ما إذا كان الرئيس ميشال عـون راضياً عن موقفه قال: “نحن نقول الحقيقة ونؤمن بما نقول، ولا نؤدّي حساباً لأحد..”.

 

وأبـرز ما أفصح عنه البطريرك إقـرار الرئيس عـون: “بأنّ عندنا في لبنان جمهوريات، وليس جمهورية واحدة..”.

هذا يشكّل سـرَّ اعترافٍ من الكرسي الرئاسي إلى الكرسي الكهنوتي، بأنَّ رئيس الجمهورية يحكم إحـدى الجمهوريات، وهناك جمهوريات أخـرى يحكمها آخرون، وأنّ رئيس الجمهورية الأمّ، هو بعضٌ من رئيس على بعضٍ من جمهورية.

في إطـارِ ما تعلّمناه وعلّمناه في قواعد النقد الأدبي لجهـةِ الإحاطةِ بخصائص النصّ وإخضاع المعاني للتحليل والمقارنات والتعليل، يتبيّـن من خلال الإستدلال أنّ البطريرك يخفـقُ قلبه ألمـاً على الـوطن الجريح بما آل إليه مصير أبنائه من نـزوحٍ هجراناً وبؤسٍ افتقاراً، ويستنجد بالمجتمع الدولي وقد أخفـق أبناء لبنان في إنقاذه.

وإذْ يتعالى البطريرك عن الدلالات الإعتراضية الصادمة، فإنَّـه يشـنّ حملة بصياغة لاهوتية على أهـل الحكم دونما استثناء لدرجة أنّـه يعفّـفُ لسانَـهُ عن وصفهم ياللصوص بمثل ما يـرى القديس أوغسطينوس: “أنّ الفـرق بين الدولة وعصابة اللصوص هو أن الدولة تعرف اللـه وتعرف العدالة والقانون”.

 

ويحـدّد البطريرك بـدقّة مواصفات الرئيس المقبل وفـق شعار: النهوض بالوطن ووحدة الشعب حتّى يفتح لـهُ اللـه بمفتاح “عبد الفتاح” بوابـة القصر.

والبطريرك هو الذي سبق أنْ قال: “إنّ الدولة تفتش عن الرئيس القـوي بشخصيته لا عن الرئيس القـوي بطائفته”.

والرئيس القـوي بشخصيته حسب المفهوم الفلسفي هو الذي يتمتّـع بخصالٍ عقلية وأدبية وأخلاقية يميّـزُ بها الفيلسوف “الفاربي” المدينة الفاضلة عن المدينة الضالّـة والفاسدة والفاسقة.

إذا كنتم لا تستطيعون أنْ تعرفوا مَـنْ هو الرئيس القـوي الذي يعنيـهِ البطريرك، فإنّكم تستطيعون على الأقـلّ أنْ تعرفوا مَـنْ هـمُ الذين يرفضهم.