كلما اقتربت الانتخابات النيابية يوماً، ابتعدت المقاربات الموضوعية للأزمات التي يعاني منها لبنان، في مقابل ارتفاع نبرة الشعبوية التي لن يعلو عليها أي صوت آخر حتى 15 أيار. والأخطر انّ هذه المرحلة الانتقالية، التي تسبق عملية إعادة إنتاج السلطة في صناديق الاقتراع، تبدو مشرّعة على مزيد من التأزيم، كما حذّر رئيس الجمهورية.
ضمن هذا السياق، بدت لافتة الإشارات التي أطلقها الرئيس ميشال عون خلال استقباله وفد المجلس الاقتصادي الاجتماعي البيئي، حيث نبّه الى انّ «هناك من يتلاعب بالمسائل المالية وبسعر صرف الدولار، وهو ما يؤثر بشكل سلبي على المواطنين»، كاشفاً عن «تقارير من قِبل اختصاصيين محليين ودوليين، تشير الى وجود جهات هدفها تأزيم الوضع، ومنها من هو في موقع السلطة، وهذا ما نعاني منه».
وقد تعدّدت التفسيرات لكلام عون وللجهات المقصودة من رسائله، فاتحاً من خلال هذا الغمز واللمز باب الاجتهاد في تقدير هوية من كان يعنيهم.
واياً يكن المستهدف، يعطي موقف عون دلالة واضحة على أنّ السلطة في لبنان ليست جسماً واحداً كما هو وضع البلدان الطبيعية، بل هي
«سَلَطة» أو جزر متناثرة، تعكس هشاشة الدولة وتوزعها الى مراكز نفوذ متناحرة بلا هوادة.
وإذا كان رئيس الجمهورية لم يتطرق في مضبطته الاتهامية الى الاسماء، الّا انّ ما يبدو اكيداً هو انّ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يتصدّر «بنك أهداف» عون، الذي لا يزال يتحيّن الفرصة لتوجيه «الضربة القاضية» الى الحاكم بعدما شدّ الخناق حوله، لاقتناعه بأنّ الرجل شريك أساسي في تحمّل المسؤولية عن الانهيار وتداعياته.
وينقل زوار عون عنه قوله: «تعويضاتي محتجزة في المصرف شأني في ذلك شأن كل اللبنانيين. انا ايضاً ضاع جنى عمري بعد نحو 60 سنة من العمل، وبالتالي، فإنني اتحسس معاناة الناس وأتفهّم غضبهم جراء المخاطر التي تهدّد مصير ودائعهم».
ومصوّباً نحو سلامة من دون أن يسمّيه، يضيف عون تبعاً لزواره: «غريب كيف يبقى أحد كبار المسؤولين الماليين في موقعه على رغم الانهيار الذي حصل والشبهات التي تحوم حوله. ولكن للأسف، هناك في السلطة من يستمر في حمايته، علماً انّ هذا الشخص يساهم في التلاعب بسعر الدولار الذي يبتلع القدرة الشرائية للبنانيين ويزيد التضخم».
وينبّه عون الى انّ «الوقت يضيق أمامنا، ويجب أن نقرّ المشاريع المتعلقة باستكمال الاتفاق مع صندوق النقد الدولي». ويتابع: «صحيح انّ بعض الملاحظات هي محقة ومشروعة، لكن لا ينبغي لها أن تعطل تلك المشاريع التي من الضروري إقرارها في أقرب وقت ممكن على رغم الدخول في الدورة الانتخابية (نيابية ورئاسية)».
ويعتبر عون، وفق الزوار، انّ من بين الملفات الأشد أذية لنا ملف النازحين السوريين الذي لا يزال من دون معالجة لأنّ بعض الدول الخارجية تمنع عودتهم الى المناطق الآمنة بحجة انّه لم يتمّ بعد التوصل الى حل سياسي للأزمة السورية.
ويلفت الى انّه وبعد وقوع الحرب القبرصبة – التركية عام 1974 نزح عدد من القبارصة الى لبنان، ولكن ما ان جرى الإعلان عن وقف إطلاق النار حتى عاد هؤلاء النازحون فوراً، علماً انّه لم يتمّ حتى الآن التوصل الى حل سياسي للأزمة بين الدولتين.
ويوضح، انّ «تركيا في صدد إعادة نحو مليون ونصف مليون نازح سوري الى بلادهم قبل نهاية العام، مع انّ أنقرة تتلقّى من الاتحاد الأوروبي سنوياً ما بين 6 و 7 مليارات دولار من الاتحاد الأوروبي، فلماذا لا ينطبق على لبنان ما ينطبق على غيره؟».
ولا يفوت عون ان يشدّد أمام زواره على انّ ما تعرّض له وزير الطاقة وليد فياض امر معيب، مشيراً الى انّ الكيل طفح من هذه التصرفات، وانّ شخصيات «التيار الوطني الحر» لن تقبل بعد الآن بالاعتداء عليها في الأماكن العامة، وسيجري التعامل مع اي أمر من هذا النوع بالشكل المناسب.