بين آخر الصلاحيات التي يتمتّع بها رئيس الجمهورية واحدة يجري التخلّي عنها. فقد أناط الدستور بالرئيس إجراء استشارات نيابية مُلزمة، يُعيّن بنتيجتها رئيساً مكلّفاً للحكومة بعد التشاور مع رئيس المجلس النيابي. لكنّ ذلك لم يحصل حتى الساعة بالرغم من استقالة حكومة حسّان دياب وانصرافه الى تصريف الأعمال.
قد يعتبر الرئيس أنّه يضغط للإتفاق المُسبَق على الحكومة، رئيساً وأعضاء وبرنامجاً على حدّ قول النائب طلال ارسلان، إلّا أنّه بافتتاحه هذا النهج في التكليف والتأليف، والإصرار على تكراره، إنما يُلغي دوره الحاسم في الموافقة على الحكومة الجديدة التي لا تقوم لها قيامة إلّا بعد توقيعه. وعلى العكس من تقديراته، يضع رئيس الجمهورية صلاحياته في يد أقطاب الكتل الذين يتحوّل كل منهم الى “بعبداوي” يجهد لتعيين رئيس الحكومة الذي يلائمه، فيما كان الأجدى والأنسب له وللدستور والأعراف أن يُحدّد موعداً عاجلاً للإستشارات النيابية الملزمة، فيلزم النواب والكتل بالمناقشة الداخلية لإتّخاذ قرار بتسمية مرشّحها وإبلاغه الى رئيس الدولة، وعندها يتحمّل “سيد نفسه” المسؤولية الفِعلية لما يقول دائماً انّها من صلاحياته.
ما يجري حتى الآن مُخالف لطبيعة الأشياء، وتخلٍّ صريح عن لعب الدور الدستوري القاطع في قيام السلطة التنفيذية تشكيلاً وإطلاق يد في العمل. وهذا الدور قد يكون الأهمّ في لائحة الصلاحيات، إذ لا صلاحية أُخرى تفوقه أهمّية وفعالية، خصوصاً وأنّ الرئيس نفسه عندما سُئل عن معرفته بالأمونيوم قال إنّه عرف به، لكن ليست لديه الصلاحية للتعامل معه!
ومع أنّ التصريح هذا لم يُقنِع الكثيرين لأنّ له ما يُبرّره لجهة الصلاحيات، إلّا أنّ السعي الى تشكيل الحكومة قبل تكليف رئيسها لا يجد تفسيراً له إلّا ترك الأمور في تصرّف القوى النافذة، وتحديداً في يد طرفها الأقوى والأكثر نفوذاً، وهذا بالضبط ما يُمكن اعتباره نعياً مبكراً للرئاسة ولعمل المؤسسات الذي يحتاجه لبنان أكثر من أي وقت مضى، وبه يطالب المجتمع الدولي، ويشترط تفعيله قبل الإنتقال من حالة الإغاثة الى حالة دعم إعادة البناء وإخراج لبنان من حفرته.