لماذا يضطر الرئيس ميشال عون لتكرار القول إنه لن يبقى دقيقة واحدة في القصر الجمهوري بعد 31 تشرين الأول المقبل؟ أليس هذا أمراً مفروغاً منه بقوة الدستور، سواء جرى تسليم وتسلّم بين رئيسين كالعادة أو تكرر الشغور الرئاسي كاستثناء؟ الواقع ناطق في مرحلة اللايقين. فلا المؤكد يبدو مؤكداً في أيام اللعب بالبلد من خارج الدستور وباسمه ولحساب مصالح خارجية على حساب المصلحة الوطنية. ولا من الثوابت الأقوى من المتغيرات سوى الأزمات الخانقة للبنانيين والمافيا التي توظفها وتعيش عليها. وما أكثر الأسئلة والسيناريوات.
بين الأسئلة ما يثير قصة الترجمة العملية لشعار “لن نسلّم الفراغ”. وبين السيناريوات ما يوحي أن الماضي قابل للتكرار، حيث تجربة التركيز على فعل كل شيء للوصول الى القصر ثم فعل أي شيء للبقاء فيه. فما نسمعه هو الحديث عن “فتاوى”تمط الدستور الى أقصى حد على أيدي”فقهاء” لتبرير البقاء في القصر بداعي استمرار المسؤولية، ما دامت حكومة تصريف الأعمال غير مؤهلة لممارسة صلاحيات الرئاسة حتى انتخاب رئيس. لا بل هناك من يتصور أن سياسة الجدران أمام تأليف الحكومة هي أسهل وسيلة للبقاء، على الرغم من القاعدة القانونية القائلة: “لا يمكن للمرء أن يحتمي بغشه”.
لكن ذلك مجرد إنتقال من فراغ الى فراغ أكبر وأخطر. فلا شرعية خارج الدستور والإنتخاب. ولا مجال لملء الفراغ الكبير بانقلاب عسكري أو بتحرك ميليشيوي للإمساك بكل السلطة مباشرة. والذين يتحدثون عن مؤتمر تأسيسي ونظام جديد يعرفون أن التركيبة العاجزة عن تأليف حكومة وإنتخاب رئيس وإيجاد تسوية الحد الأدنى للأزمات ستكون أكثر عجزاً عن الإتفاق على صوغ دستور وبناء نظام جديد. والمرجح والخطير في هذه الحال هو أن يفرض الطرف القوي النظام الذي يعمل له المتصادم مع بقية الطوائف والمرتبط بأجندة إقليمية.
وليس هذا، في أية حال، سوى هرب من قوة الحقائق في لبنان الى أوهام السيطرة الإقليمية على العالم العربي. فلا بد، لا فقط من تأليف حكومة وانتخاب رئيس بل أيضاً من التخلص من لعبة التفاهم على مرشح وحيد والعودة الى لعبة التنافس الديمقراطي بين مرشحين. ولا أحد يجهل الى أين تقود مغامرة اللاحكومة واللارئاسة في هاوبة أزمات لن نخرج منها بلا مساعدات واستثمارات من الأشقاء العرب والأصدقاء الدوليين. والإمتحان الأكبر هو للقوى السيادية والتغييرية في مادة التفاهم والكتلة الشعبية التاريخية، وإلا سقط أي أمل في التغيير نحو الأفضل.
يقول بول فاليري: “السياسة تقوم على لامبالاة أصحاب العلاقة”. واللامبالاة هي مأساة لبنان.