IMLebanon

عون يريد الغاز «على أيامه»

 

في لعبة عضّ الأصابع بين الرئيس ميشال عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي، يسعى الرجلان إلى الإيحاء بأنهما يحاولان التسهيل. هل السبب هو الخوف من عواقب كارثة آتية لا يريدان تحمُّل المسؤولية عنها، أم انّ الضغوط الدولية نحو التسويات تفعل فعلها، خصوصاً في ملف الترسيم والغاز؟

يعتبر عون أنّ المواجهة التي يخوضها في ملف تأليف الحكومة ليست بينه وبين ميقاتي فعلياً. وفي اعتقاد القريبين منه أن الرئيس المكلَّفُ مكلَّفٌ استثارة هذه المواجهة بالوكالة عن خصوم عون.

وفي رأيهم أن بعض هؤلاء الخصوم يكشفون عن وجوههم صراحةً في المواجهة، فيما آخرون يستفيدون من موقع ميقاتي للعب أوراقهم ضد عون في شكل مستتر، إما لأنهم لا يريدون إظهار حقيقة مواقفهم في المعركة الرئاسية، وإما لأن الوقت لم يحِن بعدُ لإظهارها.
تعني هذه الصورة أن لا عون ولا ميقاتي راغبان في تقديم التنازلات الفعلية في ملفي تأليف الحكومة والانتخابات الرئاسية، خصوصاً أن الوقت أصبح العامل الحاسم، قبل شهرين من انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، وأيامٍ قليلة من بدء مهلة الـ60 يوماً التي ستشهد فصولاً دراماتيكية.

ولذلك، لقاءات عون وميقاتي المستجدة هي فقط «للصورة». وفي أفضل الأحوال، هي للإبقاء على بعض المرونة في اللعبة السياسية، انتظاراً لتسويات محتملة في الملفات الكبرى في الخارج، وفي فيينا خصوصاً، فتُسهّل التسويات الصغرى في الداخل.
جوهر النزاع الداخلي حالياً هو: لِمن ستكون السلطة والقرار في السنوات الـ6 المقبلة؟ فكل طرف يريد أن يكون موجوداً إلى الطاولة وأن يكرّس لنفسه موقعاً قوياً.

بالنسبة إلى عون، من البديهي أن يكون لفريقه السياسي هذا الموقع القوي، في العهد المقبل، لأنه يمتلك صفة التمثيل الوازن للشريك المسيحي داخل النظام. ولا يجد عون نفسه مضطراً إلى بذل كثير من الجهود لإقناع الشركاء بذلك، لأنهم واعون لهذا الواقع.

أما ميقاتي فقد شاءت التحوّلات الداخلية، بعد خروج الرئيس سعد الحريري من الحياة السياسية، أن يكون هو الشريك من الجهة السنّية. وبعد غياب تيار «المستقبل»، تكاد الساحة السنّية تتحوَّل فسيفساء من القوى والشخصيات المناطقية.

وأما ميقاتي فيبرز وحده ممثلاً للطائفة في الحكم، والقوى السنية مضطرة إلى دعمه. وضمن هذه المعادلة، هو يطمح إلى تكريس حضوره في العهد المقبل، بل إن ذلك قد يكون فرصته لبناء زعامة سياسية.

يعتبر عون أنه تعرَّض خلال السنوات الست الفائتة من عهده لعملية إحباط ممنهجة على كل المستويات، وقد بلغت ذروتها بانفجار الأزمة المالية النقدية في العام 2019. وهو يرى أن هناك جهات داخلية لعبت دوراً في عملية الإحباط، كما أن الأزمات الدولية والإقليمية خلقت جوّاً مناسباً لذلك.

ويريد عون أن تتحقق إنجازات معينة في آخر عهده، تصحّح صورة العهد وتعوِّض الفشل. كما يريد من هذه الإنجازات أن تؤسس لعهد جديد ناجح ومريح، إذا ما تحقّق الهدف بوصول رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل إلى السلطة. ولذلك يتمسك عون بأمرين:

1 – عدم إخلاء موقع الرئاسة تحت أي ظرف، ما لم يراعِ روح الدستور ومقام الرئاسة لجهة عدم تسليم الموقع لحكومة تصريف أعمال، وما لم يراعِ أيضاً تمثيل المكوّن المسيحي في شكل صحيح. وهذا يعني، عملياً، التمسك ببقاء الرئاسة في أيدي فريقه السياسي، لأنه المسيحي الأقوى داخل فريق السلطة.

2 – استعجال التسويات التي من شأنها أن تخدم تحقيق هذه الأهداف، وأبرزها الاتفاق على ترسيم الحدود البحرية ما يتيح بدء الاستفادة من الثروة الغازية، والاتفاق مع صندوق النقد الدولي. فأي عهد جديد ينطلق من هذين الإنجازين سيُكتَب له النجاح.

إذا غادر عون قصر بعبدا، والعهد غارق في الكوارث، فسيكون ذلك ضربة له ولفريقه السياسي، وسيستغلها الخصوم لتعميق خسارته وإضعافه سياسياً. ولذلك، هو يعمل لتجنب هذا السيناريو بأي ثمن. ومن المثير أن ميقاتي يلتقي مع عون في الرغبة في تحقيق إنجاز، لتأسيس صورته كرجل دولة وزعيم سنّي.

ثمة من يقول إن الإنجاز الوحيد الممكن تحقيقه واقعياً، في الأشهر القليلة المقبلة، هو ترسيم الحدود وتقاسم الغاز، لأن أرباحه مضمونة ووفيرة، ولأن فريق السلطة يستطيع التحكم به وبمردوداته من دون قيود خارجية. وهو يرضي القوى الدولية والإقليمية في آن معاً.

وأما الإنجاز الآخر المفترض، أي توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي، فتعمل قوى السلطة على تأخيره قصداً، قدر الإمكان، لأن مردوداته المالية تلقى أدنى بكثير من موارد الغاز، ولأن هذه القوى ليست مستعدة للتجاوب مع الشروط القاسية التي يضعها الصندوق، لا سيما لجهة الإصلاحات الإدارية والاقتصادية والسياسية.

لذلك، أهل السلطة يستعجلون اليوم توقيع اتفاق الترسيم كأولوية. وهم قدَّموا التسهيلات اللازمة لذلك، وأبلغوا موقفهم الى الموفد الأميركي عاموس هوكشتاين. لكن المشكلة تكمن في الجانب الإسرائيلي الذي يعتمد الابتزاز غالباً، وهو يطالب بمزيد ما دام قادراً على القيام بذلك.

وفيما يتذرّع الإسرائيليون مجدداً باستحقاقاتهم الانتخابية لكسب الوقت، فإن الاستحقاق الرئاسي يضغط أيضاً في لبنان، ويدفع عون إلى اعتماد خيارات حاسمة لأنه مستعجل، ولن يقبل بالخسارة في أي حال، ويراهن على أن حلفاءه سيقفون معه في النهاية لا مع سواه.

ولكن، ماذا سيفعل عون إذا طالت المراوحة في ملف الترسيم، إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية في لبنان والتشريعية في إسرائيل؟
البعض يعتقد أنه سيختار «المراوحة» في القصر أيضاً… إلى أن تأتي التسوية المطلوبة، وكل التبريرات جاهزة.