لماذا لا يرتضي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي اليوم، ما ارتضاه لنفسه في العام 1988؟ وبالتالي، ما هو الأكثر هرطقة: «حكومة تصريف أعمال» أم «حكومة فاقدة للميثاقية»؟ وحين حكَم العماد عون بحكومة غير ميثاقية العام 1988، حتى تشرين الثاني 1989، ألم تكن تلك الفترة «حُكماً بالهرطقة» من حكومة غير ميثاقية؟
حين تشكَّلت الحكومة الانتقالية في ربع الساعة الأخير من عهد الرئيس امين الجميل، في 22 أيلول 1988، من المجلس العسكري، سارع الأعضاء المسلمون (السني والشيعي والدرزي) إلى الإستقالة منها ليبقى ثلاثة أعضاء فقط (العماد عون الماروني واللواء عصام أبو جمرا الأرثوذكسي واللواء أدغار معلوف الكاثوليكي)، يومها كتبت إحدى الصحف عنواناً مُعبِّراً، جاء فيه:
«الحكومة العسكرية… نصفها رافض ونصفها مرفوض». لم يأبه العماد عون لكل الأصوات والتحذيرات، وثمة مَن نصحه بتوسيع الحكومة لتعود إليها الميثاقية ولتتمتَّع بالتوازن، لكنه كان يرفض (عكس ما يحصل هذه الأيام حيث يطالب هو بتوسيع الحكومة).
عون، وعلى مدى سنتين وشهر، حكم بحكومة من ثلاثة وزراء، هو واحدهم، وحين سئل عن هذا الموضوع في إحدى مؤتمراته الصحافية، أجاب السائل وهو صحافي فرنسي: Je suis president et six ministres
فعلًا، كان عون يتولى عدة وزارات من بينها الدفاع والداخلية والمال والخارجية.
اليوم الرئيس عون يخالف نفسه، أي انه يخالف رئيس الحكومة ميشال عون عام 1988، فيقول:
«لا يمكن حكومة تصريف الاعمال تولّي صلاحيات رئيس الجمهورية. ان يحصل ذلك لا يخالف الدستور فحسب، بل يعرّضنا لأزمة وطنية حقيقية قابلة للاشتعال. أتمسّك بوجهة نظري هذه، وأصرّ على حكومة مكتملة المواصفات الدستورية، بقاء الحكومة بصفتها الحالية، يعني اننا امام مؤامرة».
السؤال هنا: ما يعتبره الرئيس عون مؤامرة، لماذا لم يعتبره في العام 1988؟
ما هو حاصل أن هناك مَن «يخيِّط» بنود الدستور «على القياس» وتحديداً على «قياس» ما يريده العماد عون، فيصبح «المنطق» عند هؤلاء المخيّطين ليس ما يقوله الدستور بل كيف نجتهد في هذه المادة الدستورية او تلك لتطويعها وفق ما يقتضيه هذا أو ذاك؟
هي المرة الثانية التي يتم اللعب فيها بالدستور: الأولى في العام 1988 والثانية اليوم، فهل تكون «الثالثة ثابتة»؟ وكيف ستكون؟
يجدر إنعاش الذاكرة بأن العماد عون لم يكن يوما مع دستور الطائف، فهل هي اللحظة المناسبة بالنسبة إليه للإنقضاض عليه؟