أنا: ألو، ميشال هون؟
هو: ميشال مش هون، كيف فيني ساعدك؟
أنا: بدنا العون!
هو: تفضّل…
أنا: غريب، كلّ مرّة نطلب فيها ميشال لا نجده… بس مين حضرتك؟
هو: أنا صهره، وقادر ساعدك.
أنا: يا أستاذ صهره، يا محترم، منذ أن انتخبنا ميشال رئيساً للجنة البناية بات واضحاً لجميع السكّان أنّ الأوضاع بدأت تتراجع إلى الوراء، وأصبحت حال بنايتنا بالويل، كما لو أنها زريبة.
لا أريد أن أتحدث الآن عن الكهرباء المقطوعة عن المصعد، ولا عن النفايات المرميّة على الدرج الذي لم يعد أحداً يشطفه، ولا عن زَعرنات بعض الجيران في مواقف السيارات ومناشر الغسيل العشوائية وعدم تدخّل ميشال لوضعهم عند حدّهم، وليس الوقت مناسباً للحديث عن تحويل بعض الشقق مستودعات لتخزين الممنوعات والمفرقعات. ولا أريد الآن العودة إلى عدم فتح ميشال صندوق البناية الذي نضع فيه أموالنا لاستخدامها عندما ساءت أمور بعض الجيران المعيشية.
ولكن يا أستاذ صهره، حضرتك تعلم أنّ بنايتنا مكشوفة على المرفأ، وبعد الإنفجار الكارثي في 4 آب، تضرّرنا وتضرّرت منازلنا بشكل لا يوصف. وحينها فقط، رأينا وجه ميشال، الذي اطمأنّ علينا وعلى منازلنا، ووعدنا بترميم واجهة البناية والشبابيك والأبواب من الصندوق.
لكن يا أستاذ صهره، نحن نشعر نوعاً ما أننا عائلة هنا، وحتى انّ ميشال فرد منها، وكنّا نتمنّى أن نراه أكثر بيننا حتى يعرف حالنا عن قرب. فبعد أكثر من ثلاثة اسابيع من الكارثة، لم تعد مشكلتنا في الترميم.
سَجّل عندك، جارنا محمود في الثالث كان يؤجّل تصليح درفة في خزانة المطبخ لأكثر من عامين لعدم قدرته على دفع ثمنها، فكيف سيشتري الآن صالوناً و3 غرف نوم ومطبخاً بكامله… من أين؟
جارتنا هدى في الرابع، ما بين تأمين ثمن دواء أولادها وعلاج زوجها من السرطان، وما بين البحث عن عمل جديد بعدما طردوها من القديم، من سيدفع لها ثمن البرّاد والتلفزيون والغسّالة الذين تضرّروا في الانفجار؟
وجارتنا أم أسعد في الطابق الأرضي، باتت تعيش على أدوية الأعصاب، تدور من بيت إلى بيت تندب حظّها وتخبر سكّان الحيّ كيف أنّ سنوات الحرب ومعاركها مجتمعة لا يمكن مقارنتها بثانية واحدة من هذه الكارثة التي غيّرت معالم بيتها، ولم تبق فيه كنبة أو كرسي أو حائط واقف.
كنت أريد التحدّث مع ميشال حتى يعلم حقيقة ما يحصل مع أهله وجيرانه، كنت أريد أن أخبره أنّ أسعار السوق السوداء تمنعهم حتى عن تصليح سياراتهم.
لو كان ميشال هون، كنت أريد أن أنقل له حال الجيران… هؤلاء الطيّبون والخيّرون رَضوا بكل شيء وما تذمّروا يوماً حتى من الويلات التي حلّت بهم. كانوا في الأشهر الأخيرة لا يريدون أكثر من تأمين ثمن الأكل والشرب والدواء، إستغنوا عن سهراتهم ومشاويرهم وعاداتهم الاجتماعية. بَدّلوا مدارس أولادهم إلى أخرى أرخص، أصبحوا يشتاقون لأكل اللحم والدجاج، ويتفرّجون على السمك والفواكه في رفوف العرض. يشمّون ولا يذوقون، يتفرّجون ولا يشترون، وحتى الفقر لم يرض بهم.
فهل يرضى ميشال ألّا يقدّم يد العون إلى جيرانه؟ هل يرضى ألّا يكون رئيس هذه البناية عندما تحتاج رئيساً؟
كيف يرضى ميشال أن يبحث جيرانه عن ربطة خبز أو زجاجة ماء في خيَم الجمعيات المنتشرة على أرصفة الحيّ؟
كيف يرضى أن تقف جارته في الطابور لتسجيل اسمها من أجل الحصول على دواء؟
كيف يرضى ميشال أن تصبح الجارة التي كانت توزّع الخير على القريب والغريب، محتاجة إلى من يتكرّم عليها بصحن من طبخة رزّ في الشارع؟
كيف يرضى ميشال أن تُهان عزّة نفس الجار الذي وقف مرّات للدفاع عنه، وكيف يرضى أن تتدمّر سيارة جاره التي أقلّته إلى المستشفى في منتصف الليل، أو يتمزّق الصالون الذي لعب فيه الطرنيب؟
كيف يرضى ميشال أن تبكي جارته المحتاجة من خجلها، أو يغصّ جاره من يده الممدودة لصندوق إعاشة أو حصّة غذائية؟
يا ريت كان ميشال هون، كنّا طلبنا منه العون…
ولكن الظاهر أنه انقطع خطّ التليفون.
توت توت توت